السبت. مايو 4th, 2024

تهدد قضية اللامساواة وهي “سمة عصرنا البارزة” بتدمير اقتصادات ومجتمعات العالم، بحسب ما جاء في كلمة شديدة اللهجة ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

جاء ذلك خلال إلقائه لمحاضرة نيلسون مانديلا السنوية لعام 2020، والتي عقدت على الإنترنت لأول مرة، في ضوء استمرار جائحة كوفيد-19. وتهدف سلسلة المحاضرات التي تعقدها مؤسسة نيلسون مانديلا سنويا بمناسبة عيد ميلاد أول رئيس منتخب ديمقراطيا لدولة جنوب أفريقيا، إلى تشجيع الحوار من خلال دعوة شخصيات بارزة لمناقشة التحديات الدولية الكبرى.

استهل الأمين العام كلمته بالإشارة إلى جائحة كوفيد-19 التي لعبت دورا مها في تسليط الضوء على تنامي انعدام المساواة.

وقال الأمين العام إن المخاطر العالمية التي تم تجاهلها لعقود كُشف عنها الآن – لاسيّما النظم الصحية غير الكافية، والثغرات في الحماية الاجتماعية وعدم المساواة الهيكلية والتدهور البيئي وأزمة المناخ. ويعاني الضعفاء أكثر من غيرهم: أولئك الذين يعيشون في فقر، وكبار السن، وذوو الاحتياجات الخاصة، وأصحاب الأمراض المزمنة

وأشار الأمين العام إلى أن اللامساواة متعددة الأشكال. ففي حين أن التفاوت في الدخل صارخ -حيث يمتلك أغنى 26 شخصا في العالم ثروة تضاهي ما يملكه نصف سكان العالم مجتمعين- تعتمد فرص الناس في الحياة على عوامل مثل النوع الاجتماعي والأسرة والأصل الإثني والعرق وما إذا كان يعاني الشخص من إعاقة أم لا.

ومع ذلك، أشار السيد غوتيريش إلى أن الجميع يعاني من العواقب المترتبة على اللامساواة، لأن مستوياتها العالية ترتبط “بعدم الاستقرار الاقتصادي والفساد والأزمات المالية وزيادة الجريمة وتردي الصحة البدنية والعقلية”.

وأثار الأمين العام في المحاضرة قضية الاستعمار الذي يُعدّ من جوانب اللامساواة التاريخية . وقال إن الحركة المعادية للعنصرية اليوم تشير إلى هذا المصدر التاريخي لهذه الآفة، و هو فرض الجزء الشمالي من الكرة الارضية الحكم الاستعماري على جزء كبير من الكرة الارضية لقرون، عبر العنف و الإكراه، وهو ما أدى إلى  لامساواة كبيرة بين الدول وفيما بينها، من بينها العبودية عبر المحيط الأطلسي ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وخلّف تركة من الظلم الاقتصادي والاجتماعي، وجرائم الكراهية والخوف من الاجانب.

وتطرق الأمين العام إلى النظام الأبوي، وهو لامساواة تاريخية آخرى لا يزال صداها يتردد حيث إن النساء في كل مكان أسوأ حالا من الرجال، والعنف ضد النساء وصل إلى مستويات وبائية.

وأعرب السيّد غوتيريش عن فخره بأنه نصير لقضايا المرأة، وقال إنه ملتزم بالمساواة في النوع الاجتماعي، وجعل المساواة في النوع حقيقة واقعة في المناصب العليا للأمم المتحدة. كما أعلن عن تعيينه قائد جنوب أفريقيا الدولي لرياضة “رغبي”، سيا كوليسي، كبطل عالمي لمبادرة تسليط الصوء التي تهدف إلى إشراك الرجال في مكافحة العنف ضد النساء و الفتيات.

وتحدث الأمين العام عن اللامساواة المعاصرة، قائلا إن توسع التجارة والتقدم التكنولوجي ساهم في “تحوّل غير مسبوق في توزيع الدخل”. وحذر من أن العمّال ذوي المهارات المتدنية يتحملون العبء الأكبر، ويواجهون “هجوما” من التكنولوجيا الحديثة، والأتمتة ونقل الصناعة إلى الخارج وانحسار المنظمات العمّالية.

وتابع يقول إن التسهيلات الضريبية واسعة النطاق، والتهرّب من دفع الضرائب فضلا عن انخفاض معدلات الضرائب على الشركات يعني أن هناك موارد أقل للحماية الاجتماعية والتعليم والرعاية الصحية – وهي خدمات تلعب دورا مهما في الحد من انعدام المساواة.

وسمحت بعض الدول للأثرياء و”أصحاب التفوذ” بالاستفادة من أنظمة الضرائب، “ولكن يجب على الجميع دفع حصتهم العادلة”، بحسب السيّد غوتيريش، ويجب على الحكومات معالجة “حلقة الفساد المفرغة” التي تضعف الأعراف الاجتماعية وسيادة القانون. وأضاف أن على الحكومات تحويل العبء الضريبي الذي تنوء به الرواتب نحو انبعاثات الكربون وهو ما سيساعد على معالجة أزمة المناخ.

على الرغم من أن تغيّر المناخ يمثل مشكلة عالمية، إلا أن أكثر من يشعر بها هي تلك الدول التي تساهم بقدر قليل فيها.  ومن المرجّح أن تبرز المشكلة أكثر في الأعوام القادمة، مع مواجهة الملايين خطر سوء التغذية والملاريا وغيرها من الأمراض، والتهجير القسري والظواهر الجوية المتطرفة.

واقترح الأمين العام أن السبيل الوحيد نحو مستقبل عادل ومستدام للجميع يتضمن ما سمّاه بـ “العقد الاجتماعي الجديد” والذي يسمح للشباب الصغار بالعيش بكرامة، وأن يكون للنساء نفس الآفاق والفرص التي يتمتع بها الرجال، وحماية الضعفاء، و “صفقة عالمية جديدة” تضمن التشارك بالقوة والثراء والفرص على نطاق أوسع وأكثر عدالة على مستوى عالمي.

ودعا الأمين العام إلى تأسيس شبكات أمان اجتماعية جديدة، تشمل تغطية صحية شاملة وتعزيز الاستثمار في الخدمات العامة وعكس التفاوتات القديمة، وبرامج العمل الإيجابي والسياسات الأخرى لمعالجة اللامساواة القائم على النوع أو العرق.

وأوضح الأمين العام أن المساواة في التعليم للجميع، والاستخدام الفعّال للتكنولوجيا الرقمية سيكونان أمرين  حاسمين في تحقيق هذه الأهداف.

وهذا يعني مضاعفة الإنفاق على التعليم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بحلول عام 2030 إلى 3 تريليونات دولار في السنة: في غضون جيل واحد، يمكن لجميع الأطفال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل الحصول على تعليم جيّد بجميع مراحله.

وقال السيّد غوتيريش، إن الحكومات بحاجة أيضا إلى تغيير طريقة تعليم الأطفال، والاستثمار في محو الأمية الرقمية والبنية التحتية الرقمية، ومساعدتهم على الاستعداد لطبيعة عمل سريعة التغيّر بسبب التكنولوجيا.

وحدد الأمين العام بعض الطرق التي تدعم بها الأمم المتحدة هذه الجهود، من بينها خريطة الطريق من اجل التعاون الرقمي، والتي أطلقت في حزيران/يونيو في الأمم المتحدة، وتعمل على تعزيز الطرق لتوصيل أربعة مليار شخص بالإنترنت بحلول 2030، ومبادرة Giga التي تهدف إلى ربط جميع المدارس بالإنترنت.

واختتم الأمين العام كلمته باستحضار أهمية التعاون الدولي والتضامن. 

وخلص إلى أن العالم قد وصل إلى منعطف حرج، وقد حان الوقت لكي يقرر القادة المسار الذي يجب اتباعه. والخيار الذي قدمه الأمين العام هو “إما الفوضى والانقسام واللامساواة” أو تصحيح أخطاء الماضي والمضي قدما معا، من أجل صالح الجميع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *