شارك العشرات من قادة دول العالم والمسؤولين في منظمة الأمم المتحدة في أول قمة للتنوع البيولوجي اليوم ، لبحث سبل إنقاذ الحياة الطبيعية في ظل تناقص أعداد الأحياء البرية والاستهلاك المفرط والنمو السكاني.
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القمة، باستخدام تقنيات التواصل عن بعد، التزاما بمسؤلية اتباع الإرشادات الطبية المتعلقة بالتباعد البدني للمساهمة في السيطرة على انتشار مرض كوفيد-
وفي بداية القمة، ألقى الرئيس المصري، عبد الفتّاح السيسي، كلمة بلاده التي استضافت مؤتمر الأطراف 14 في شرم الشيخ عام 2018. وقال الرئيس المصري إن التدهور المضطرد في التنوع البيولوجي يحتم على دول العالم التحرك بشكل أكثر تنسيقا وفاعلية في مواجهة هذه التطورات التي تهدد جميع الدول وتعمّق الفوارق بين الدول النامية والمتقدمة، وتحد من القدرة على تحقيق أهـداف التنمية المستدامة
وقال: “إننا أمام اختبار حقيقي في علاقتنا مع الطبيعة، يفرض علينا العيش في تناغم معها وهو ما يمثل جوهر مقصدنا المشترك، عبر الربط بين التنوع البيولوجي وتحقيق التنمية المستدامة”.
وخلال مؤتمر الأطراف، أطلقت مصر مبادرة شاملة تهدف إلى دمج التنوع البيولوجي في القطاعات النوعية المختلفة من خلال تحقيق التكامل بين اتفاقيات ريو الثلاث المعنية بتغير المناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر.
وقال الرئيس المصري: “عملنا بجهد مع مختلف الشركاء لدفع هذه المبادرة إلى الأمام، وتقوم مصر بتفعيل مبادئها من خلال دمج التنوع البيولوجي في قطاعات المحميات الطبيعية والسياحة البيئية على سبيل المثال، وفي خططها التنموية لحماية تلك الموارد وإيجاد المزيد من فرص العمل”.
وأشار الرئيس عبد الفتّاح السيسي إلى أن مصر وضعت نظما فعالة لصون الطبيعة والبيئة المحيطة بها، لاسيّما نهر النيل “الذي يمثل شريان الحياة لحضارة تجسدت فيها الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية”. وقال إن مصر تحرص على استدامة النظم الإيكولوجية حول النهر ولطالما دعت إلى ضرورة تعزيز التعاون العابر للحدود بين دوله بالنظر لكون المياه حجر الزاوية في الجهود للحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية الطبيعة.
وأعرب عن أمله في أن تساهم القمة اليوم في تعزيز إدراك الجميع لحجم تلك المسؤولية وأن تخرج بنتائج واضحة تعكس إرادة سياسية جماعية لتغيير الوضع الراهن للأفضل.
وفي كلمته أمام المؤتمر، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إن “البشرية تشن حربا على الطبيعة”، وأضاف أن إزالة الغابات وتغيّر المناخ وتحويل المناطق البرية لإنتاج الغذاء البشري كل ذلك يؤدي إلى تدمير شبكة الحياة على الأرض.
وقال: “نحن جزء من تلك الشبكة الهشة – ونريدها أن تكون بصحة جيّدة حتى نتمكن نحن والأجيال القادمة من الازدهار”. وأشار إلى أن الطبيعة مرنة، ويمكن أن تتعافى إذا خففنا من اعتداءاتنا .
اتفاقية التنوع البيولوجي هي معاهدة عالمية تم الاتفاق عليها في قمة الأرض للأمم المتحدة في البرازيل عام 1992. ولها ثلاثة أهداف: الحفاظ على التنوع البيولوجي، والاستخدام المستدام للطبيعة، والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن العلوم الجينية.
ووفق الاتفاقية، اتفقت الدول عام 2010 على أهداف أيتشي للتنوع البيولوجي (وهي مجموعة مكونة من 20 هدفا للحفاظ على التنوع البيولوجي تتراوح بين الحفاظ على الكائنات والتقليل من إزالة الغابات حتى عام 2020).
وأضاف الأمين العام أنه قبل عشرة أعوام، قُطعت تعهدات كان ينبغي أن تحمي كوكبنا، “لقد فشلنا فشلا ذريعا. ولكن، حيثما بُذلت الجهود، فإن الفوائد التي تعود على اقتصاداتنا وصحة الإنسان والكوكب لا يمكن دحضها”.
تدهور الطبيعة ليس قضية بيئية بحتة. هي قضية تمتد لتشمل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان — الأمين العام
وقال الأمين العام، إنه على الرغم من الالتزامات المتكررة، فإن الجهود لم تكن كافية للوفاء بأي من أهداف التنوع البيولوجي العالمية المحددة لعام 2020.
وأضاف قائلا: “اسمحوا لي أن أكون واضحا: إن تدهور الطبيعة ليس قضية بيئية بحتة. هي قضية تمتد لتشمل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان”، مشيرا إلى أن إهمال الموارد الثمينة من شأنه أن يؤدي لتفاقم التوترات والصراعات الجيوسياسية.
وقال: “هذه القمة فرصتنا لنظهر للعالم أن هناك طريقة أخرى. علينا تغيير المسار وتحويل علاقاتنا بالعالم الطبيعي”.
وكان أمام البلدان فرصة حتى هذا العام للوصول إلى الأهداف، ثم المضي قدما لإنشاء إطار عالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020
وقال الأمين العام: “تتمثل إحدى نتائج الاختلالات في التوازن مع الطبيعة، في ظهور أمراض مميتة مثل مرض نقص المناعة البشرية (الإيدز) وإيبولا والآن جائحة كوفيد-19، والتي لا نملك سوى القليل من الدفاع أمامها أو لا نملك أي دفاع
وعدّد الأمين العام ثلاث أولويات للحفاظ على التنوّع البيولوجي وإدارته على نحو مستدام:
أولا، تضمين الحلول القائمة على الطبيعة في التعافي من فيروس كوفيد-19 وخطط التنمية الأوسع. ويمكن أن يؤدي الحفاظ على التنوّع البيولوجي في العالم إلى توفير فرص العمل والنمو الاقتصادي الذي نحتاجه اليوم بشدة.
ثانيا، يجب أن تراعي الأنظمة الاقتصادية والأسواق المالية، الطبيعة وأن تستثمر فيها.
ثالثا، يجب تأمين أكثر السياسات والأهداف طموحا، التي تحمي التنوع البيولوجي ولا تترك أحدا وراءنا.
وأشار السيد غوتيريش إلى أن الطبيعة توفر فرصا تجارية للمجتمعات الفقيرة، من الزراعة المستدامة إلى السياحة البيئية أو صيد الكفاف.
وتعتمد معظم الشعوب الأصلية على وجه الخصوص على النظم البيئية الصحية التي يمكن أن توفر الخدمات الاقتصادية والمالية التي يحتاجونها للحفاظ على ثقافاتهم وسبل عيشهم.
وقال الأمين العام: “أعتمد عليكم خلال هذه القمة لإرسال إشارات قوية.. لثني منحنى فقدان التنوع البيولوجي”، وحث جميع قادة الدول للانضمام لجهود معالجة أسباب فقدان التنوع البيولوجي.
وأضاف أن ثمة حاجة لتأمين إطار طموح للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020، للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحديد أهداف ملموسة، وحشد شراكة كاملة وفعّالة عبر الدول والمجتمعات.
وأشار الأمين العام إلى أن الحلول القائمة على الطبيعة هي أدوات حيوية في معركتنا لحل أزمة المناخ. “لدينا حلول طبيعية في متناول اليد، لحمايتنا من الكوارث الطبيعية وفقدان الوظائف والتداعيات الاقتصادية. دعونا نستخدمها
من جانبها، دعت إنغر آندرسون، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى فعل المزيد من أجل حماية الطبيعة ودمجها في تخطيطات المدن والبنى التحتية.
وقالت إن علينا إعادة التفكير في طرق الإنتاج والاستهلاك، “وهذا يعني التعامل مع النظم الغذائية ومع البنى التحتية ونظم الطاقة. بإمكاننا فعل ذلك، الأمر كله منوط بنا”.
كما شددت على أهمية دور مجتمعات الشعوب الأصلية التي تمتلك وتدير حوالي ربع مساحات الأراضي في العالم، وثلث المحميات الطبيعية، “فحماية حقوقهم في أراضيهم هي جزء من حماية التنوع البيولوجي.
ومن بين المتحدثين في القمة، العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، والذي قال في كلمته المسجلة إن الأردن هو ثاني أفقر بلاد العالم مائيا، ولمعالجة هذه الأزمة أعدّت المملكة على مدى العامين الماضيين حلا عمليا سيتم طرحه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال الملك عبد الله الثاني: “نسعى بطرحنا ميثاقا يمنح أنظمة بيئية محددة والكائنات الحية من نباتات وحيوانات، الحق القانوني بالحياة، وذلك لتعزيز جهود الحفاظ على البيئة لضمان استمرارية وجود وازدهار البشرية، وتمكين ناشطي البيئة وغيرهم حول العالم من اتخاذ إجراءات قانونية للحفاظ على حقوق الطبيعة”.
وأشار إلى أن الناشطين الشباب يحثون على اتخاذ الإجراءات المطلوبة، “علينا أن نقوم بما هو أكثر مما هو مجرد عدم اعتراض طريقهم، بل علينا العمل بحزم فعالمنا أمانة في أعناقنا، وعلينا أن نحافظ عليه.
وفي كلمته المسجلة، قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، إن الخطر الأكبر ناجم عن سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وأشار إلى جدار الضم والمستوطنات والحصار المفروض على قطاع غزة. وقال “إن السلطة القائمة بالاحتلال سلبت من الشعب الفلسطيني حقه السيادي على أرضه وموارده الطبيعية وأهمها غور الأردن”.
وشدد على أن دولة فلسطين قامت بتحديد استراتيجية لصون التنوع البيولوجي الوطني تتفق مع اتفاقية التنوع البيولوجي.
وألقى الرئيس الإسرائيلي، رؤفين ريفلين، كلمة مسجلة، قال فيها إن أكثر من 500 مليون نوع من الطيور تهاجر عبر إسرائيل من أوروبا إلى أفريقيا كل عام. وقال: “إننا دولة صغيرة، ولكننا بلد يضمّ العديد من الأنظمة البيئية الفريدة وعجائب الطبيعة”.
وأضاف أن الشركات الإسرائيلية تعمل على تغيير طريقة زراعة الطعام وإنتاج الطاقة في العالم، وتجعل المياه صالحة وآمنة للشرب. وأضاف أن إسرائيل تركز على الطاقة والتكنولوجيا النظيفة، واستعادة المساحات الطبيعية، كجزء من جهود التعافي من جائحة كوفيد-.
وألقى وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، كلمة مسجلة أوضح فيها أن الموقع الجغرافي والمساحة الكبيرة للجزائر جعل منها بلدا يزخر بالعديد من النظم البيئية المتكونة من 16 ألف نوع (كائن) حيواني وزراعي منها ما يقارب 700 نوع موطّن و226 نوعا مهددا بالانقراض.
وأضاف يقول: “قامت الجزائر بوضع العديد من الخطط الوطنية والقطاعية تجسدت في بداية الألفية من خلال وضع الاستراتيجية الأولى وبرنامج العمل الوطنيين لتعزيز قدراتها الحمائية القانونية والمؤسساتية”، مشيرا إلى أن الجزائر تعمل على تعزيز الاقتصاد الأخضر واستصلاح الأراضي وإعادة تأهيل المواطن البيئية الغابية والاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي على مستوى المناطق الجبلية.
وألقى كلمة دولة الإمارات عبد الله النعيمي، وزير التغيّر المناخي والبيئة، والذي شدد على أن بلاده تولي اهتماما خاصا لحماية البيئة ومقدراتها. وأضاف يقول: “ينصب الاهتمام الأكبر على إعادة التعافي الاقتصادي من تبعات جائحة كوفيد-19، إلا أن تنامي معدلات فقد النباتات والحيوانات ووجود ما يقارب مليون نوع مهدد بالانقراض ينذر بأزمة مستقبلية تتطلب وضع الاهتمام بالبيئة والتنوع البيولوجي في مقدمة أولوياتنا”.
وأشار إلى أنه على مدى خمسة عقود، كثفت الإمارات من جهودها لحماية البيئة عبر منظومة متكاملة تشمل إقرار بنية تشريعية للحفاظ على الموارد الطبيعية وتضمن إشراك كافة مكونات المجتمع