الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

قبيل افتتاح أعمال المداولات العامة رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، استعرض الأمين العام أنطونيو غوتيريش تقريره السنوي عن عمل المنظمة الأممية مستهلا كلمته بالحديث عن الشكل غير المسبوق للاجتماعات هذا العام نتيجة جائحة كوفيد-19.

“في عالم انقلب رأسا على عقب، تعد قاعة الجمعية العامة من أغرب المشاهد على الإطلاق. لقد غيرت الجائحة ملامح اجتماعنا السنوي، إلا أنها جعلته أكثر أهمية من أي وقت مضى.” هذا ما قاله الأمين العام داخل القاعة الشهيرة التي كانت تستضيف عادة في مثل هذا الوقت من كل عام حوالي ألفي شخص من قادة العالم وكبار المسؤولين والوفود لحضور فعاليات الأسبوع رفيع المستوى الذي يتزامن مع بداية الدورة الجديدة للجمعية العامة.

ولكن جائحة كوفيد-19 دفعت الأمم المتحدة، بالاتفاق مع أعضائها، إلى وضع تدابير تحترم تعليمات التباعد البدني للحد من انتشار المرض وحماية الصحة العامة. واعتمدت الجمعية العامة قبل نحو شهر قرارا دعت بمقتضاه الدول الأعضاء، والاتحاد الأوروبي ودولة فلسطين والفاتيكان، إلى إرسال خطابات مصورة مسجلة مسبقا لقادتها ومسؤوليها لتُعرض على شاشات بالقاعة. 

وأمام حوالي مئتي شخص أضاف أنطونيو غوتيريش أن جائحة كوفيد-19 تفشت بأنحاء العالم، منذ يناير، لتزداد الحصيلة المروعة لضحاياها كل يوم.

“إننا نواجه في آن واحد أزمة صحية مصيرية، وكارثة اقتصادية وخسائر في عالم العمل هي الأكبر منذ الكساد الكبير، علاوة على تهديدات جديدة وخطيرة تحدق بحقوق الإنسان. لقد أماط كوفيد-19 اللثام عن أوجه الهشاشة التي يعاني منها العالم. أوجه اللامساواة المتنامية، وكارثة المناخ، والانقسامات المجتمعية الآخذة في الاتساع، والفساد المستشري. وسخرت الجائحة هذه المظالم لصالحها، فاتخذت أضعف الناس طريدة لها ومحت تقدما أحرِز على مدى عقود.

وأشار الأمين العام إلى ازدياد الفقر لأول مرة منذ 30 عاما فيما تتراجع مؤشرات التنمية البشرية ويبتعد العالم بسرعة كبيرة عن المسار الصحيح الذي من شأنه أن يفضي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. 

كما تطرق إلى تراجع جهود مكافحة الانتشار النووي، والعجز عن التحرك بجدية لمواجهة التحديات الناشئة، ولا سيما الفضاء الإلكتروني.

وعاد الأمين العام إلى تاريخ إنشاء الأمم المتحدة قبل 75 عاما في ظل ظروف صعبة أدرك بسببها مؤسسوها التكلفة الباهظة للشقاق، وقيمة الوحدة، فتصدوا للموقف ببصيرة جسدها ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي واتخذت من الناس محورا لها.

“إننا نواجه اليوم لحظة فارقة كتلك التي واجهوها عام 1945. فهذه الجائحة أزمةٌ لم نرَ لها نظيرا من قبل. ولكنها أزمة من نوع سنواجه مثله مرارا وتكرارا وبأشكال مختلفة.”

ويرى الأمين العام للأمم المتحدة أن أزمة كوفيد-19 ليست صيحة تنبيه عالمية فحسب، بل هي تجربة ليستعد العالم للتحديات العديدة القادمة.

وشدد في هذا الإطار على ضرورة التصدي للأزمة بالاتحاد وروح التضامن، والاسترشاد بالعلم، مشيرا إلى أن الشعبوية والقومية قد مُنيتا بالفشل وزادتا الوضع سوءا.

وقال أنطونيو غوتيريش إن التضامن في عالمنا المترابط مصلحة ذاتية، وإن العجز عن استيعاب هذه الحقيقة يؤدي إلى فشل الجميع.

مع بداية جائحة كوفيد-19، دعا الأمين العام إلى وقف لإطلاق النار على الصعيد العالمي. وأمام الجمعية العامة اليوم، كرر مناشدة المجتمع الدولي دعم هذه الدعوة كي تصبح حقيقة واقعة بنهاية العام الحالي.

“أمامنا 100 يوم بالتمام والكمال. في النزاع الدائر في ظل الجائحة لا يوجد سوى فائز واحد، هو الفيروس نفسه. وقد حظي ندائي الأول بدعم 180 دولة عضوا ونال تأييدَ الزعماء الدينيين والشركاء الإقليميين وشبكات المجتمع المدني وجهات أخرى. واستجاب له أيضا عدد من الحركات المسلحة – من الكاميرون إلى كولومبيا وحتى الفلبين وغيرها – وإن لم يُكتب البقاء لكثير من عمليات وقف إطلاق النار التي أعلنتها تلك الحركات. وثمة عقبات هائلة تعترض الطريق هي انعدام الثقة العميق، وانتشار العناصر المخرّبة، وإرث القتال الذي ظل محتدماً لسنوات. ولكن لدينا من الأسباب ما يدعو إلى الأمل.”

ومن دواعي الأمل، أشار غوتيريش إلى عدد من التطورات منها إبرام اتفاق جديد للسلام في السودان بين الحكومة والحركات المسلحة، وبدء مفاوضات السلام في أفغانستان، والحفاظ على وقف إطلاق النار إلى حد بعيد في إدلب في سوريا.

و في الشرق الأوسط – مع هدوء الأوضاع في غزة والتخلي عن ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، على الأقل في الوقت الراهن، حث غوتيريش القادة الإسرائيليين والفلسطينيين على العودة إلى التفاوض بشكل جاد من أجل تنفيذ حل الدولتين.

وفي حديثه عن ليبيا، قال الأمين العام إن حدة القتال قد خفّت ولكن الحشد الهائل للمرتزقة والأسلحة – الذي ينتهك قرارات مجلس الأمن – يشير إلى أن خطر تجدد المواجهات لا يزال كبيرا. ودعا إلى التعاون من أجل تيسير التوصل إلى اتفاق فعال لوقف إطلاق النار واستئناف المحادثات السياسية بين الأطراف الليبية.

كما أشار أنطونيو غوتيريش إلى استمرار العمل في اليمن للجمع بين الأطراف من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد وتنفيذ تدابير اقتصادية وإنسانية لبناء الثقة واستئناف العملية السياسية.

وشدد على أن الوقت قد حان لإعطاء زخم جماعي جديد لدعم السلام والمصالحة، مناديا بجهد دولي معزز يقوده مجلس الأمن لتحقيق وقف عالمي لإطلاق النار بحلول نهاية العام الحالي.

كما دعا إلى بذل قصارى الجهد لمنع قيام حرب باردة جديدة. وقال إن العالم يسير في اتجاه شديد الخطورة. وأضاف في إشارة إلى الخلافات بين الولايات المتحدة والصين أن “عالمنا لا قِبل له بمستقبل تشق فيه أكبر قوتين اقتصاديتين الكرةَ الأرضية نصفين يفصلهما صدع عظيم – لكل معسكر قواعده التجارية والمالية وقدراته الخاصة في مجالي الاتصال عبر الإنترنت والذكاء الاصطناعي.”

وقال الأمين العام إن وجود هوة تكنولوجية واقتصادية ينذر حتماً بتحولها إلى هوة جيو-استراتيجية وعسكرية، مؤكدا على ضرورة تلافي حدوث ذلك بأي ثمن.

وفي خطابه أمام الجمعية العامة تحدث الأمين العام عن التدابير التي اتخذتها الأمم المتحدة لمواجهة التحديات المرتبطة بجائحة كوفيد-19 على جميع الجبهات.
وقد قدمت منظومة الأمم المتحدة، بقيادة منظمة الصحة العالمية، الدعم للحكومات، ولا سيما في العالم النامي، لإنقاذ الأرواح واحتواء انتشار الفيروس. كما أسهمت سلاسل الإمداد العالمية في توفير معدات الحماية الشخصية وغيرها من الإمدادات الطبية لأكثر من 130 بلدا. وقُدمت المساعدة اللازمة لإنقاذ الأرواح إلى أشد البلدان والناس ضعفا، بما يشمل اللاجئين والنازحين داخليا، من خلال خطة إنسانية عالمية لمواجهة كوفيد-19.
وأشار الأمين العام، في كلمته، إلى حملة “التحقق” للمعلومات المضللة على الإنترنت والتي تعد فيروسا ساما يهز الأسس الديمقراطية التي تقوم عليها العديد من البلدان.
وأضاف غوتيريش:
“نعمل حالياً على تقديم الأدوية والعلاجات باعتبارها منفعة عامة عالمية – وندعم الجهود الرامية إلى توفير لقاح لكل الناس يتاح لهم بتكلفة ميسورة وفي كل مكان. غير أن بعض البلدان تقدِم، بحسب التقارير، على إبرام صفقات جانبية لفائدة مواطنيها بصورة حصرية. وتوخي هذا المسعى القومي في توفير اللقاح ليس أمرا مجحفا فقط، بل هو يحمل في طياته أيضا أسباب فشله. فلن يكون أي منا في مأمن من الفيروس حتى يكون الجميع في مأمن منه.”
وتحدث الأمين العام عن الجانب الاقتصادي، وشدد على ضرورة ضمان عدم وقوع العالم النامي في براثن الإفلاس وتفاقم الفقر وأزمات الديون.

 وأشار الأمين العام إلى تركيز جهود الأمم المتحدة بشكل خاص على النساء والفتيات. وقال إن نصف البشرية يتحمل وطأة العواقب الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن كوفيد-19، وإن نسبة النساء غير متناسبة في أكثر القطاعات تضررا من فقدان الوظائف. كما تضطلع النساء بمعظم أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر المترتبة عن الجائحة.

وأضاف غوتيريش “في الوقت نفسه، تضيع على ملايين الفتيات فرص الاستفادة من التعليم وتوفير مستقبل لهن مع إغلاق المدارس وتزايد زواج الأطفال. وثمة احتمال أن تتراجع المساواة بين الجنسين إلى المستوى الذي كانت عليه منذ عقود، ما لم نعمل الآن على معالجة هذا الوضع. ويجب علينا أيضا أن نضع حدا للزيادة المروعة في أعمال العنف المرتكبة ضد النساء والفتيات خلال هذه الجائحة، سواء اتخذت شكل العنف المنزلي أو الاعتداء الجنسي أو التحرش على الإنترنت أو قتل الإناث. والحالة أشبه بحرب غير معلنة على النساء. ويستلزم منعها وإنهاؤها نفس ما نبديه من التزام وما نكرسه من موارد لأشكال الحرب الأخرى.”

وتطرق الأمين العام إلى الحديث عن ضرورة توجيه جهود التعافي نحو تهيئة مستقبل أفضل، اعتبارا من الآن. وقال إن الخطط الكفيلة بتحقيق ذلك موجودة بالفعل وهي ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخطة عام 2030 للتنمية المستدامة واتفاق باريس للمناخ.
وطلب الأمين العام من جميع البلدان أن تنظر في اتخاذ ستة إجراءات مناخية إيجابية خلال سعيها إلى إنقاذ اقتصاداتها وإعادة بنائها وإعطاء انطلاقة جديدة لها.
    أولا، جعل المجتمعات أكثر قدرة على الصمود وضمان مرحلة انتقالية تتسم بالعدل. 
    ثانياً، تهيئة فرص العمل الخضراء وتحقيق النمو المستدام. 
    ثالثا، جعل عمليات إنقاذ قطاعات الصناعة والطيران والملاحة مشروطة بمواءمة هذه الأنشطة مع أهداف اتفاق باريس.
    رابعا، وقف تقديم الإعانات المالية لقطاع الوقود الأحفوري.
    خامسا، وضع المخاطر المناخية في الحسبان في جميع عمليات صنع القرارات المالية والسياسية.
    سادسا، العمل معا على ألا يترك أحد خلف

وشدد أنطونيو غوتيريش على ضرورة التغلب على التحديات الراهنة بتعزيز التعاون الدولي – وليس خفضه؛ وتوطيد المؤسسات متعددة الأطراف – وليس التخلي عنها؛ وبتحسين الإدارة العالمية- وليس السقوط في فوضى عارمة. 

وتحدث عن حاجة المؤسسات متعددة الأطراف إلى التحديث والتطوير، بعد مرور أكثر من سبعة عقود على إنشائها، بحيث يصير تمثيل جميع شعوب العالم فيها أكثر إنصافا.
وشدد على الحاجة إلى نظام متعدد الأطراف يتوخى سبيل الابتكار باستمرار، ويحقق الإنجازات التي تصبو الشعوب إليها، ويوفر الحماية لكوكب الأرض. 
وأضاف الأمين العام “يجب أن تتسم تعددية الأطراف في القرن الحادي والعشرين بالترابط، حيث ترتبط المؤسسات العالمية ببعضها عبر القطاعات والمناطق الجغرافية… ويجب أن تكون تعددية الأطراف في القرن الحادي والعشرين شاملة للجميع، بتوسيع دائرة التواصل، والاستفادة من قدرات المجتمع المدني والمناطق والمدن والأعمال التجارية والمؤسسات والهيئات الأكاديمية والعلمية. وذلك ما سيكفل نظاما متعدد الأطراف يتسم بالفعالية ويستجيب لمتطلبات القرن الحادي والعشرين.”
ودعا الأمين العام إلى أن تكون الإنجازات على مدى تاريخ الأمم المتحدة مصدر إلهام، مناشدا الاستجابة لتطلعات الحركات المطالبة بالعدالة والكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *