الأربعاء. أبريل 17th, 2024

تعرضت الأحياء الفقيرة عبر بلدان العالم لعدد أكبر من الإصابات والوفيات بفيروس كورونا مقارنةً بالأحياء الأكثر ثراء. فقد أضرت الجائحة وجهود السيطرة عليها بالفقراء أكثر مما أضرت بالأغنياء، سواء داخل البلد الواحد أو فيما بين البلدان. ومن شأن الفهم الأفضل للعوامل التي تفسر الآثار الصحية المتفاوتة على مجموعات الدخل المختلفة أن يساعد صناع السياسات على تحديد ما يمكن اتخاذه من إجراءات على أساس مستنير.

وفي بحث أجراه خبراء الصندوق مؤخرا، ننشئ رابطة أكثر دقة بين الثروة والصحة فيما يتعلق بالجائحة. ويوضح التحليل القائم على نموذج أن إجراء اختبارات سريعة للكشف عن الفيروس على نطاق واسع من شأنه توفير معلومات حيوية لاحتواء الفيروس بشكل أفضل، بما يعود بالنفع على الجميع، وخاصة الفقراء. ويذهب بحثنا إلى أبعد مما تذهب إليه معظم النماذج الوبائية عن طريق النظر في سلوك الفرد وخياراته تبعا لمستوى الدخل، بدلا من التركيز فقط على العمر ونوع الجنس والخصائص الديمغرافية الأخرى.

ومن المرجح أن يتم تعميم اللقاحات تدريجيا على مدار الشهور والسنوات القادمة، إلا أن معدلات الإصابة في بعض البلدان تُواصِل الارتفاع في الوقت نفسه وبسرعة أكبر مما كانت عليه في الأيام المبكرة للجائحة. وقد كان الإغلاق العام والتباعد البدني وارتداء الكمامات الواقية هي الأدوات الأكثر استخداما لاحتواء الجائحة. ومع ذلك، يمكن للاختبارات الرخيصة والسريعة للكشف عن الفيروس أن تكون أداة أخرى ضمن هذه المجموعة من الأدوات. 

غالبا ما تكون الضرورة هي الدافع وراء السلوك والخيارات التي تضع الأفراد الأفقر في الخطوط الأمامية من حيث الإصابة بالمرض أثناء الجوائح. والسبب الأول هو أن كثيرا من العاملين بأجور منخفضة يتركز عملهم في الخدمات التي تعتبر ضرورية أثناء الجائحة (مثل محال البقالة وخدمات التوصيل) أو الوظائف التي تتيح خيارات محدودة للعمل من بُعد. والسبب الثاني هو أن الأحياء الأفقر من المرجح أن تكون ذات كثافة سكانية عالية، مما يجعلها أكثر عرضة للعدوى. أما السبب الثالث فهو أن الناس في المجتمعات المحلية الأفقر غالبا ما تكون مدخراتهم للطوارئ ضئيلة للغاية، مما يحد من قدرتهم على تخفيض ساعات العمل للحد من مخاطر إصابتهم بالمرض (ومنهم، على سبيل المثال، العاملون لحسابهم الخاص في القطاع غير الرسمي).

ويمكن للأفراد الأكثر ثراء أن يحدوا من مخاطر الإصابة بالمرض حيث يتوفر لهم خيار العمل بقدر أقل وتخفيض الساعات التي يمضونها خارج منازلهم. ولهذين الخيارين تأثير هائل. فحسب عمليات المحاكاة التي يتضمنها النموذج، نجد أن عددا يزيد بقليل على 10% من الأسر الغنية يصاب بالفيروس، في حين أن أكثر من نصف الأسر الفقيرة تصاب به على مدار عامين. وينعكس هذا أيضا في معدل الوفيات، حيث يشير النموذج إلى أن احتمالات الوفاة أكبر بحوالي أربعة أضعاف في حالة الأسر الفقيرة. ويُفهم من هذه الأرقام أن الأسر الفقيرة تتحمل العبء الأكبر للتكاليف الصحية الناشئة عن الجائحة.

وهناك إجراءان مهمان على مستوى السياسات يمكن أن يساعدا على تخفيف الأثر الكبير للوباء على الفقراء إلى أن تتاح لقاحات وعلاجات فعالة على نطاق واسع ويتم تقديمها لكل من يحتاج إليها.

أولا، دعم الدخل الموجه للأسر الفقيرة سيساعد بشكل مباشر على حماية استهلاك هذه الأسر من الصدمة الاقتصادية الكبيرة المعاكسة. ثانيا، يؤدي تحسين المعلومات المتعلقة بانتشار الوباء واحتوائه مع إجراء اختبارات واسعة النطاق للكشف عن الفيروس إلى تعزيز القدرة على تحديد الحالات الجديدة وعزلها، مما يحد من مخاطر العدوى. وتعد أحدث الاختبارات السريعة زهيدة التكلفة – حيث قامت منظمة الصحة العالمية بالتفاوض مؤخرا على سعر 5 دولارات لكل اختبار، ومع زيادة الطلب والإنتاج يمكن أن يهبط السعر إلى دولار واحد أو أقل. ونظرا لبساطة هذه الاختبارات، يمكن لأي أسرة أو محل عمل استخدامها (حيث لا تحتاج إلى معدات طبية أو مختبرات للتقييم)، دون أي معالجة مركزية أو تسجيل. وقد لا تفلح استراتيجية الاختبارات المكثفة في الحيلولة دون تفشي الأمراض، لكنها تستطيع على وجه الإجمال أن تحد من انتشار الجائحة وأن تسيطر عليها، وخاصة إذا اقترنت بارتداء الكمامات الواقية، وغسل اليدين، والتباعد البدني.

ويتسم استخدام الاختبارات لتحديد الحالات الإيجابية وعزلها بدرجة أكبر من الفعالية في السيطرة على الوباء في البلدان التي تضم نسبة أعلى من الأسر الفقيرة. ويشير بحثنا إلى أن تحديد نصف المصابين بالفيروس دون أعراض من شأنه تخفيض الوفيات بنحو ثلاثة أرباع العدد الكلي في غضون عام. ويحظى الفقراء بأكبر استفادة من هذا المنهج، إذ إن معدل وفياتهم بسبب مرض كوفيد-19 سينخفض بنحو ثلاثة أرباع العدد الكلي مع تحسن الاختبارات المكثفة، مقارنة بانخفاض قدره حوالي النصف بين الفئات الأكثر ثراء.

وعلى عكس الإغلاقات العامة، فإن المعلومات الأفضل التي يتم الحصول عليها من خلال الاختبارات واسعة النطاق للكشف عن الفيروس تحقق دعما مؤكدا للاقتصاد عن طريق الحد من مخاطر العدوى أثناء التفاعل مع الآخرين. فحين لا يخضع المصابون بالفيروس دون أعراض لاختبارات الكشف عنه ويتنشر الفيروس دون أن يُكتشف، ينخفض إجمالي الناتج المحلي انخفاضا حادا بنسبة 15% في السنة الأولى في الاقتصادات الممثِّلة. وحين تكون مخاطر الإصابات بالفيروس أعلى، يختار الناس الانسحاب وتخفيض النشاط الاقتصادي قدر إمكانهم. وتتقلص الخسارة إلى 3,3% فقط من إجمالي الناتج المحلي إذا تم اكتشاف 50% من المصابين بالفيروس دون أعراض عن طريق الاختبارات وخضعوا للعزل بغية الحد من العدوى. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اختبار يحقق معدلا إيجابيا صادقا (حساسية تشخيصية) بنسبة 80% إذا كان من الممكن إخضاع 60% من مجموع السكان للاختبار أسبوعيا.

ومع احتمال تجنب خسائر إجمالي الناتج المحلي الكبيرة والتكاليف المنخفضة نسبيا والمتراجعة للاختبارات السريعة، تتحقق منافع هائلة من الجمع بين إجراء الاختبارات على نطاق واسع وارتداء الكمامات الواقية. ومن الممكن أيضا أن يخفض هذا المنهج بعض أوجه عدم المساواة التي تفاقمها الجائحة، مما يساعد الفقراء والأسر الأكثر تعرضا للمخاطر على تجاوز الأزمة بشكل أفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *