قطاع الصحة في غزة يعاني بالفعل من “أزمة مزمنة” ونقص في الكوادر الطبية والأجهزة والمستلزمات، وفوق ذلك كله، كانت غزة تمر بموجة ثانية من كوفيد-19 في ظل أعمال العنف الأخيرة. ولكن كيف استطاع القطاع التعامل مع كل هذه التحديات في ظل إمكانيات محدودة؟
فخلال الأحداث الأخيرة، تعرّض 29 مرفقا طبيا لأضرار جانبية – من بينها مركز لفحص كورونا – وتعرّض مركز واحد لأضرار جسيمة – كان يقدم اللقاحات إلى المواطنين – وخلفت أحداث العنف وراءها قطاعا صحيا كان يعاني أصلا من نقص في المستلزمات والأجهزة والطواقم الطبية، والآن زادت الحاجة للمساعدة.
جاء هروب الناس إلى المدارس واكتظاظهم فأشعل القلق مرة أخرى بأننا سنشهد ارتفاعا نتيجة لذلك، خاصة وأن وزارة الصحة بالتعاون مع وكالة الغوث قامت بجمع 300 عينة من هذه المدارس لنستقرئ المشهد، ومن العينات الـ 300 كانت 10 إيجابية. خشينا بالطبع لأن 10 من 300 رقم ليس ببسيط إذا افترضنا
بعد 48 ساعة عاد الكثير من الأشخاص إلى منازلهم وهو ما أزال هذا الخوف لدينا، لأن في المدارس لم يكن التحدي فقط هو الاكتظاظ، بل أيضا لا توجد الوسائل الوقائية مثل الكمامات والمعقمات والمياه لغسل الأيدي، بالكاد وُجدت المياه لغسل الأيدي أو الاستحمام أو الشرب.
من الجيد عودة المواطنين إلى منازلهم بسرعة وإلا فكنا سنواجه كارثتين: كارثة الحرب وكارثة ارتفاع الجائحة.
د. عبد الناصر صبح: في كل مرة تحدث أحداث عنف، تقع أضرار جانبية قد توقف العمل في منشآت صحية. خلال الأحداث الأخيرة لحق ضرر كبير في مركز هالة الشوا، وبالمناسبة كان يُستخدم لإعطاء اللقاحات وإجراء فحوصات على كوفيد-19، وتم تدمير هذا المركز فتوقفت خدماته وتم توزيعها على مراكز أخرى أبعد على المواطنين، بالذات في منطقة الشمال.
لحقت الإصابات والأضرار بـ 29 مركزا ومستشفى، وكلها أضرار جانبية ولم تتسبب في تعطيل العمل، لكنها أوقفت العمل لأيام حتى يتم تنظيف الأماكن وإعدادها لاستئناف الخدمة. هذه المراكز والمستشفيات (29 منشأة صحية) عادت جميعها للعمل رغم الأضرار التي لحقتها، فنجد مركزا صحية بلا نوافذ أو أضرار لحقت بنوافذه وأبوابه، لكن يقوم المركز بتقديم الخدمة للمواطنين إلى أن يتم إصلاح الأضرار فيما بعد وهذا أمر جيد، لأن الوصول إلى الخدمة أصبح متاحا لمعظم السكان.
د. عبد الناصر صبح: غزة لديها أزمة مزمنة، وتعاني من نقص في المستلزمات والمواد المخبرية والأجهزة وحتى في الطواقم الطبية، هذا في الوضع الاعتيادي، فما بالكم بعد أحداث العنف وكوفيد-19؟
أصبحت غزة تعاني مزيدا من النقص. ووصل نقص الأدوية في غزة إلى 50 في المائة من القائمة الأساسية، أي أن هناك 50 في المائة من 516 صنفا من الأدوية الأساسية في قطاع غزة كانت غير متوفرة، وبالتالي لكِ أن تتخيلي الكم من المرضى الذين يعانون من هذا النقص. الحاجة إلى إدخال الأدوية والمستلزمات سواء من المانحين أو المنظمات الإنسانية أو من وزارة الصحة في رام الله هي حاجة مستمرة، وتخضع لعمليات تنسيق وعبور وتستغرق وقتا وجهدا لإدخالها. والآن غزة في حاجة ماسة لمزيد من المواد حتى تدخل إلى القطاع دون أي عائق.
وترسل العديد من الدول إلى غزة مواد، سواء كانت مِنَحا أو أدوية، وغيرها. لا نخفي أن هناك تحديات، مرتبطة بأوقات التنسيق وفتح المعابر وموافقة الجانب الإسرائيلي على دخولها وعمليات الشحن والتأخير التي قد يكلّف المزوّدين أموالا، وبالتالي قد تزيد من أسعار هذه الأدوية وما إلى ذلك.
غزة بحاجة لهذه المواد ويجب أن تكون عمليات التنسيق أسرع، وأن تتم عملية إدخال المواد بطريقة تفيد الناس بدون أضرار أخرى. هي أزمة مزمنة والآن زادت هذه الأزمة ولنا أن نتخيّل أن الحاجة زادت أكثر أيضا.
د. عبد الناصر صبح: المستشفيات في قطاع غزة في الوضع الاعتيادي كانت تواجه تحديات بسبب الأعداد التي تأتيها ضمن جائحة كورونا، بالأخص في الفترة التي سبقت أحداث العنف الأخيرة، خاصة وأن غزة كانت تمر بالموجة الثانية. وكنا في أوج حالات ارتفاع الجائحة، وقاربت الأعداد الألف حالة في اليوم في وقت من الأوقات.
وبالتالي كانت المستشفيات تعاني من هذا الكم من المرضى الذين يراجعون المستشفيات، وكان عدد كبير يتطلب دخول المستشفى والبعض يضطر للتوجه للعناية المركزة. كانت المنظومة الصحية ضعيفة وكانت المستشفيات تعاني. جاءت أحداث العنف الأخيرة وزادت الطين بلة، وأصبح على المستشفيات أن تتعامل مع مرضى كوفيد-19 وكذلك مع الجرحى من أحداث العنف الأخيرة.
التحديات كانت كبيرة، ولكن بحمد الله انخفض عدد المرضى القادمين نتيجة الجائحة نظرا لالتزام السكان منازلهم أثناء فترة أحداث العنف، وبالتالي كان يأتي إلى المستشفى فقط من يعانون من أعراض واضحة جدا وكبيرة لدرجة تتطلب دخولهم المستشفيات. قد يكون ذلك قد خفف من وطأة عدد المراجعين، لكن نشير إلى أن الأمر لم يخفف من وجود الإصابات الموجودة بالفعل في المجتمع ولكن تعاني بدرجة أقل، فالعملية وازنت نفسها إلى حد ما داخل المستشفيات.