قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن المفوضية لم تر دليلا على أن العديد من المباني التي استهدفتها إسرائيل في غزة كانت تضم مجموعات مسلحة أو تستخدم لأغراض عسكرية، مشيرة إلى أنه إذا تبيّن أنها عشوائية وغير متناسبة من حيث تأثيرها على المدنيين والأعيان المدنية، فقد تشكل هذه الهجمات جرائم حرب.
جاءت كلمة السيّدة ميشيل باشيليت في جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان للبحث في “وضع حقوق الإنسان الخطير” في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، بطلب من باكستان، باسم الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ودولة فلسطين.
وقالت مفوضة حقوق الإنسان، ميشيل باشيليت: “قضيتان رئيسيتان أدّتا إلى تصاعد التوترات: الإجلاء الوشيك لعائلات فلسطينية وتهجيرها القسري في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، لإفساح المجال للمستوطنين؛ ونشر الجنود الإسرائيليين في باحات المسجد الأقصى، مما أدّى إلى تقييد دخول آلاف المصلين إليه خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان”.
وأشارت باشيليت إلى أن التصعيد بين إسرائيل والمجموعات الفلسطينية المسلحة بدأ في 10 أيار/مايو، عندما طالبت حماس، وهي سلطة الأمر الواقع في غزة، القوات الإسرائيلية بالانسحاب من المسجد الأقصى والشيخ جراح في القدس الشرقية. وعندما لم يحدث ذلك، أطلقت حماس والمجموعات المسلحة الأخرى وابلا كثيفا من الصواريخ باتجاه إسرائيل.
قالت المفوضة السامية: “هذه الصواريخ عشوائية، ولا تفرق بين الأهداف العسكرية والمدنية، ولذلك فإن استخدامها، يرقى إلى انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني”.
وأوضحت أن ردّ إسرائيل كان بضربات جوية مكثفة في غزة بما في ذلك القصف والصواريخ التي تطلق من الطائرات المقاتلة والهجمات من البحر.
وقالت: “على الرغم من التقارير الواردة عن استهداف أعضاء الجماعات المسلحة وبنيتها التحتية العسكرية، أدت الهجمات الإسرائيلية إلى سقوط عدد كبير من المدنيين، فضلا عن تدمير وإلحاق أضرار واسعة النطاق بالأعيان المدنية”.
ولحقت الأضرار بمبانٍ حكومية ومنازل وشقق سكنية، ومنظمات إنسانية دولية، ومرافق طبية، ومكاتب إعلامية وشوارع تربط المدنيين بالخدمات الأساسية مثل المستشفيات.
وقالت السيّدة باشيليت: “على الرغم من ادعاءات إسرائيل بأن العديد من هذه المباني كانت تضم مجموعات مسلحة أو تستخدم لأغراض عسكرية، لم نر دليلا على ذلك في هذا الصدد”.
وأضافت أنه على الرغم من اتخاذ إسرائيل عددا من الاحتياطات، مثل الإبلاغ المبكر عن الهجمات في بعض الحالات، إلا أن الهجمات على القطاع المكتظ بالسكان تسبب في مستويات عالية من الوفيات والإصابات في صفوف المدنيين، وألحق أضرارا بالغة في البنية التحتية.
وقالت باشيليت: “تثير مثل هذه الضربات مخاوف جدية في امتثال إسرائيل لمبادئ التمييز والتناسب بموجب القانون الإنساني الدولي. إذا تبيّن أنها عشوائية وغير متناسبة من حيث تأثيرها على المدنيين والأعيان المدنية، فقد تشكل هذه الهجمات جرائم حرب”.
ويُعد تحديد مواقع الأصول العسكرية في مناطق مكتظة بالسكان، أو شن هجمات منها، انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.
أفادت مفوضة حقوق الإنسان بأنه على العكس من المدنيين الإسرائيليين الذين لديهم “القبة الحديدية” وقوات عسكرية محترفة تحميهم، لا يملك الفلسطينيون الحماية ضد الهجمات الصاروخية والعمليات العسكرية. وليس من مكان يفرّون إليه بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض أرضا وبرا وبحرا على القطاع منذ 14 عاما.
وأضافت تقول: “نتيجة لهذا الحصار، عانى الفلسطينيون في غزة من بنية تحتية متداعية وتضاؤل فرص الوصول إلى الخدمات الأساسية”.
وأكدت باشيليت على ألا شك في حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها والسكان المقيمين فيها، “لكن، للفلسطينيين حقوق أيضا. نفس الحقوق”. وأضافت أن للفلسطينيين أيضا الحق في الحياة بأمان وحرية في منازلهم، والحصول على الخدمات الأساسية والفرص المناسبة، مع احترام حقهم في الحياة وسلامتهم الجسدية. “مع ذلك، فإن الواقع المعاش للاحتلال هو أنهم بدلا من ذلك محرومون بشكل منهجي من الحقوق والحريات الأساسية المستحقة لكل إنسان”.
وثقت مفوضية حقوق الإنسان مقتل 242 فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية في غارات على غزة، من بينهم 63 طفلا. وأصيب الآلاف بجراح. ويقدّر عدد الفلسطينيين الذين شُرّدوا من منازلهم بـ 74 ألف شخص. وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، قُتل 28 فلسطينيا، من بينهم خمسة أطفال، حتى تاريخ 24 أيّار/مايو.
وقتلت الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس وغيرها من المجموعات الفلسطينية المسلحة 10 مواطنين ومقيمين إسرائيليين، من بينهم طفلان، وأجبرت الآلاف على الاختباء في الملاجئ.
وقالت باشيليت: “إن موت وإصابة الأطفال في هذا التصعيد مصدر عار للجميع. في دورات الصراع المتكررة هذه لا يمكننا أن نغفل عن معاناتهم وخسائرهم ولا معاناة أي مدني”.
تابعت السيّدة باشيليت تقول إنه في العديد من المناسبات، استخدمت القوات الإسرائيلية القوة ضد المتظاهرين السلميين والمصلين داخل المسجد الأقصى في القدس الشرقية.
وفي مناسبات أخرى، ومع تحوّل المظاهرات إلى اشتباكات، لجأت القوات الإسرائيلية إلى السيطرة على الحشود من خلال استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك العنف الجسدي “الذي أشعل التوترات”.
وفي الشيخ جراح وأحياء أخرى في القدس الشرقية، يظل خطر الإخلاء قائما ويستمر في إشعال التوترات. وقالت المسؤولة الأممية: “أحث السلطات الإسرائيلية على وقف عمليات الإخلاء فورا”.
وأضافت أن التوترات والاحتجاجات والعنف، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الإسرائيلية، بلغت مستويات غير مشهودة منذ سنوات. وفي 14 أيار/مايو وحده، قتلت القوات الإسرائيلية 10 فلسطينيين في سياق المظاهرات والاشتباكات، “وهو أعلى رقم في يوم واحد في الضفة الغربية منذ أن بدأت الأمم المتحدة بجمع الأرقام بشكل منهجي في عام 2008”.
وقالت: “كما أنني منزعجة للغاية من الحوادث الموثقة للمستوطنين الذين استخدموا الذخيرة الحية لمهاجمة الفلسطينيين، في بعض الحالات إلى جانب القوات الإسرائيلية”.
وتطرقت باشيليت إلى “المشاهد غير المسبوقة من الاشتباكات والعنف الغوغائي والشغب بين الفلسطينيين من مواطني إسرائيل وجماعات يمينية متطرفة يعززها مستوطنون إسرائيليون”.
وأشارت إلى الأحداث المقلقة في المدن المختلطة مثل بات-يام ويافا وعكا، بالإضافة إلى الاعتداء على دور العبادة والتراث الثقافي، بتحريض من الجانبين.
وقالت: “إنني أيضا قلقة بشأن تقارير عن تقاعس الشرطة الإسرائيلية عن التدخل لتوفير الحماية الكافية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من مثل هذه الهجمات، مع استخدام القوة المفرطة في كثير من الأحيان للسيطرة على المتظاهرين الفلسطينيين”.
ورحبت باشيليت بوقف إطلاق النار، لكنها دعت إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف، وإلا فإنها مسألة وقت قبل أن تندلع جولة جديدة من العنف.
ودعت حماس والمجموعات المسلحة للامتناع عن استخدام الصواريخ والقذائف العشوائية، مع ضرورة المحاسبة.
وحثت إسرائيل على ضمان المساءلة بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. وقالت: “هذا يشمل إجراء تحقيقات محايدة ومستقلة في الإجراءات المتخذة خلال هذا التصعيد”.
على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، أصدر مجلس حقوق الإنسان تكليفا بالقيام أربعة تقارير رئيسية مستقلة للبحث في حالة حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة.
وفي كلمته، قال مايكل لينك، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967: “تساءلت جميع هذه التقارير الأربعة عن المساءلة. وأنا أسأل: ألا نملك دلائل كافية، وتقارير كافية، لنستنتج أن إسرائيل لن تنهي احتلالها دون تحرك دولي حاسم، يرتكز على إطار الحقوق؟”.
وشدد على أن الأمم المتحدة طالبت إسرائيل باستمرار على مدى السنوات الماضية بالامتثال إلى التزاماتها القانونية الدولية، وإزالة المستوطنات ووقف الإخلاء، وإنهاء الضم غير القانوني ووقف الهدم والإبعاد القسري للفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية. لكن، “كان الاستخفاف هو رد السلطة القائمة بالاحتلال”.
وتحدث مايكل لينك عن الوضع في الضفة الغربية، مشيرا إلى أن 2.7 مليون فلسطيني يعيشون في 167 من “الجزر المجزّأة” المفصولة عن العالم وعن بعضها البعض بحواجز إسرائيلية وجدار ومستوطنات وشوارع مخصصة فقط للمستوطنين.
وقال: “إن مستقبلهم الجماعي تلتهمه أمام أعينهم 240 مستوطنة إسرائيلية تتمدد فوق أراضيهم”.
وحث مجلس حقوق الإنسان على إسناد عمله المتعلق بالاحتلال الإسرائيلي على ثلاثة مبادئ: البحث عن الإطار الدبلوماسي لإنهاء الاحتلال ضمن القانون الدولي وحقوق الإنسان، وليس من خلال سياسة الواقع. والمبدأ الثاني يستند إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لن ينتهي ما لم يتم فرض إجراءات محاسبة ذات مغزى. والأمر الثالث هو أنه لا غنى عن التدخل الدولي النشط، بسبب الاختلافات الكبيرة غير المتكافئة في القوة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأشار في ختام كلمته إلى أن الاحتلال أصبح راسخا ومستداما لأن المجتمع الدولي لم يفرض أبدا تكلفة ذات مغزى على إسرائيل لتصرّفها كقوة احتلال مستحوذة ولا تهاب أحدا.