اختتمت قمة الطموح المناخي أعمالها بإعلان 75 من القادة في جميع قارات العالم التزامات جديدة لتعزيز العمل في هذا المجال، بما أكد أن قضية تغير المناخ تأتي على رأس جدول الأعمال الدولي على الرغم من التحديات المشتركة الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
وفي الذكرى الخامسة لاتفاق باريس للمناخ، نظمت الأمم المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا مؤتمر قمة الطموح المناخي، بالشراكة مع إيطاليا وشيلي. وقد جمعت القمة القادة من الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني، عبر الإنترنت التزاما بالإرشادات المرتبطة بجائحة كوفيد-19.
وأظهرت القمة مدى التفاهم المشترك بشأن وضوح العلم فيما يتعلق بالتغير المناخي والدمار المتسارع الناجم عنه وضرورة بذل مزيد من الجهود من المجتمع الدولي للحد من ارتفاع درجة الحرارة في العالم كيلا يتعدى 1.5 درجة مئوية.
ووفق بيان صحفي صادر عن المؤتمر فقد أظهرت القمة، بما لا يدع مجالا للشك، تنامي العمل والطموح في مجال التصدي للتغير المناخي.
وقال البيان إن التعهدات المعلنة قبيل القمة وخلالها، مع الالتزامات المتوقعة أوائل العام المقبل، تعني أن الدول التي ينبعث منها نحو 65% من ثاني أكسيد الكربون وتمثل حوالي 70% من اقتصاد العالم، ستلتزم بالوصول إلى صفر في انبعاث غازات الاحتباس الحراري أو تحييد أثر الكربون بحلول أوائل العام المقبل.
وأكد البيان ضرورة دعم هذه التعهدات بخطط وأفعال ملموسة، بدءا من الآن. واعتبر البيان أن قمة اليوم أسفرت عن دفعة كبيرة للتقدم على هذا الصعيد.
وفي كلمته في افتتاح القمة حذر أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من أن التقاعس عن العمل المناخي سيؤدي إلى عواقب كارثية، ودعا إلى وقف الاعتداء على كوكب الأرض وتعزيز الطموح في مجال العمل المناخي.
وأشار الأمين العام إلى أن العالم لا يسير في الاتجاه السليم بعد خمس سنوات من اعتماد اتـفاق باريس الذي تعهدت فيه الدول بالحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
“اليوم، ارتفعت درجة الحرارة بـ1.2 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية. إذا لم نغير المسار، قد نتجه إلى ارتفاع كارثي في درجات الحرارة يقدر بأكثر من 3 درجات مئوية خلال القرن الحالي”.
وفي هذا السياق دعا الأمين العام جميع القادة في أنحاء العالم إلى إعلان حالة الطوارئ المناخية في بلدانهم إلى أن يتم الوصول إلى تحييد أثر الكربون.
وقد التزم الاتحاد الأوروبي بالوصول إلى صفر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول 2050، وأقدمت على الأمر نفسه المملكة المتحدة واليابان وجمهورية كوريا وما يزيد على 110 دولة، كما التزمت بذلك الإدارة الأميركية المُقبلة، فيما التزمت الصين ببلوغ هذا الهدف قبل عام 2060.
وفيما أشار الأمين العام، في خطابه، إلى حجم أزمة المناخ، قال إن الفشل ليس أمرا حتميا.
وأضاف أن التعافي من جائحة مرض فيروس الكورونا فرصة لوضع الاقتصادات والمجتمعات على الطريق الأخضر (الصديق للبيئة) بما يتماشى مع أجندة التنمية المستدامة التي يُعتزم تحقيقها بحلول عام 2030. ولكنه أشار إلى أن ذلك لم يحدث حتى الآن.
وقال غوتيريش إن تريليونات الدولارات المطلوبة للتعافي من جائحة كوفيد، هي أموال تُقترض من الأجيال المقبلة. وبالنسبة للأمين العام يعد ذلك اختبارا أخلاقيا، “فلا يمكن أن نستخدم هذه الموارد من أجل تكريس سياسات تثقل كاهل أجيال المستقبل بجبل من الديون على كوكب محطم”.
وقال غوتيريش إن الهدف المركزي للأمم المتحدة خلال عام 2021 هو بناء تحالف دولي حقيقي لتحييد أثر الكربون بحلول منتصف القرن الحالي. ولكنه أضاف أن الوعود ليست كافية. وذكر أن تحقيق ذلك يتطلب العمل من أجل تقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بخمسة وأربعين في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010.
وشدد على ضرورة أن ينعكس ذلك في تعديل وتعزيز المساهمات المحددة وطنيا، التي يتعين على موقعي اتفاق باريس تقديمها لمؤتمر المناخ العام المقبل في غلاسكو.
وأكد غوتيريش أن العمل المناخي يمكن أن يكون محفزا لتوفير ملايين الوظائف الجديدة وتحسين الصحة والبنية الأساسية التي تتمتع بالصمود أمام التغيرات. وشدد على ضرورة أن يكون هذا التحول عادلا، وأن يقر بأهمية القيادة النسائية للعمل المناخي.
وقال الأمين العام إن الوقت قد حان لما يلي:
احتساب ثمن الكربون؛
الإنهاء التدريجي لتمويل الوقود الأحفوري ووقف الدعم المقدم له؛
وقف بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة بالفحم.
نقل العبء الضريبي من الدخل إلى الكربون، ومن دافعي الضرائب إلى المتسببين في التلوث؛
إضفاء طابع الإلزامية على تقديم إقرارات عن المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ؛
وإدماج هدف تحييد أثر الكربون في جميع عمليات اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية.
وأكد ضرورة أن يدعم القطاع المالي الخاص الشركات لتتمكن من إحداث تحول في أنشطتها وأن يوائم استثماراته مع هدف الوصول إلى صفر انبعاثات، وأن ينزع مالكو الأصول ومديروها الكربون من محافظهم.
وشدد غوتيريش على ضرورة وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها بشأن تقديم 100 مليار دولار سنويا للدول النامية بحلول عام 2020، وقال “يجب أن يكون هدفنا المشترك هو تخطي هدف المئة مليار دولار سنويا عام 2021، وتوسيع نطاق التمويل الدولي العام في الفترة المقبلة”.
وتطرق الأمين العام في خطابه إلى ضرورة تحقيق تقدم كبير في مجال التكيف والمرونة لمساعدة من يواجهون آثارا مروعة للتغير المناخي، وخاصة الدول الجزرية الصغرى التي تواجه تهديدا وجوديا.
وأشار إلى أن جهود التكيف لا تمثل سوى 20 في المائة من التمويل المتعلق بالمناخ. وشدد على ضرورة ألا يكون التكيف مكونا منسيا في العمل المناخي.
وفي ختام خطابه قال الأمين العام إن هذه لحظة الحقيقة، ولكنها أيضا لحظة أمل، مشيرا إلى أن الشباب يمسكون بزمام المسؤولية ويطالبون الآخرين بذلك، فيما تتغير العقليات.
وقال إن العمل المناخي هو مقياس القيادة في عالم اليوم. وأضاف أن الخطة موجودة وتتمثل في أهـداف التنمية المستدامة واتفاق باريس حول تغير المناخ.
والمطلوب الآن، وفق الأمين العام، هو اجتياز اختبار المصداقية. ودعا غوتيريش إلى تحويل وعد الوصول إلى صفر انبعاثات إلى حقيقة.
وأشار إلى الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي ستُعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 في غلاسكو في المملكة المتحدة.
وفي هذا السياق حث الجميع على “إبداء الطموح ووقف الاعتداء على كوكب الأرض، وفعل ما يتعين عمله لضمان مستقبل أبنائنا وأحفادنا”.
على القطاع الخاص دور مهم يمكن أن يقوم به لمكافحة تغير المناخ. وقد شارك ممثلو عدد من كبرى الشركات، في قمة الطموح المناخي، بمن فيهم الرئيس التنفيذي لشركة آبل.
ويدعم الاتفاق العالمي للأمم المتحدة الشركات بأنحاء العالم لتعمل بشكل مسؤول من الناحيتين البيئية والاجتماعية، بما في ذلك تطوير حلول مبتكرة لنشر الازدهار بدون الإضرار بكوكب الأرض.
وقالت ساندا أوجامبو المديرة التنفيذية للاتفاق إن أزمة المناخ دفعت رؤساء الشركات إلى العمل بشكل عاجل وحاسم لتطوير أهداف تقليص انبعاثات الكربون القائمة على العلم، وبما يتوافق مع الحد من ارتفاع درجة الحرارة كيلا يتعدى 1.5 درجة مئوية.
وأشارت إلى التنامي السريع لحركة التحول إلى تحييد أثر الكربون بحلول عام 2050، ودعت قادة قطاع الأعمال إلى اعتماد خطط ملموسة لتحقيق هذا الهدف.
والاتفاق العالمي للأمم المتحدة هو دعوة للشركات لمواءمة استراتيجياتها وعملياتها مع عشرة مبادئ عالمية تتعلق بحقوق الإنسان، والعمل، والبيئة ومكافحة الفساد، واتخاذ الإجراءات التي تعزز الأهداف المجتمعية وتنفيذ أهـداف التنمية المستدامة.