الخميس. نوفمبر 21st, 2024

كشفت دراسة تحليلية جديدة أصدرتها مجموعة البنك الدولي أن جائحة فيروس كورونا تهدد المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجالي الصحة والتعليم على مدى العقد الماضي، خاصة في أشد بلدان العالم فقرا. فالاستثمارات في رأس المال البشري – المعارف والمهارات والصحة التي تتراكم لدى البشر على مدى حياتهم – هي الأساس لإطلاق العنان لإمكانات أي طفل وزيادة النمو الاقتصادي في كل بلد.

ويتضمن مؤشر رأس المال البشري 2020 الذي وضعته مجموعة البنك الدولي بيانات عن الصحة والتعليم في 174 بلداً تغطي 98% من سكان العالم، وذلك حتى شهر مارس/آذار 2020، مما يتيح خط أساس لما قبل تفشي الجائحة بشأن صحة الأطفال وتعليمهم. ويظهر التحليل أن معظم البلدان قد حققت تقدما مطردا في بناء رأس المال البشري للأطفال قبل تفشي الجائحة، مع تحقيق أكبر القفزات في البلدان المنخفضة الدخل. على الرغم من هذا التقدم، وحتى قبل انتشار تأثيرات الجائحة، يمكن أن يتوقع الطفل المولود في بلد ما ألا يحقق سوى 56% من إمكانات رأس ماله البشري، وذلك بالمقارنة بمعيار التعليم الكامل والصحة الوافرة.

وتعقيبا على التقرير، قال رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس “إن هذه الجائحة تعرض للخطر ما تحقق من تقدم خلال عشر سنوات في بناء رأس المال البشري، بما في ذلك التحسينات في مستوى الصحة، ومعدلات البقاء على قيد الحياة، والالتحاق بالمدارس، وانخفاض التقزم. والتأثير الاقتصادي لهذه الجائحة عميق بشكل خاص بالنسبة للنساء والأسر الأكثر حرماناً، مما يترك العديد منهم عُرضة لانعدام الأمن الغذائي والفقر… إن حماية البشر والاستثمار فيهم أمر حيوي في الوقت الذي تعمل فيه مختلف البلدان على إرساء الأساس للتعافي المستدام الشامل والنمو المستقبلي”.

وقد تسببت الجائحة في عدم انتظام معظم الأطفال – أكثر من مليار طفل – في الدراسة بمدارسهم، وقد يخسرون في المتوسط نصف عام من التعليم، بعد تعديله ليعكس مقدار التعلم، وهو ما سيتحول إلى خسائر نقدية ضخمة. كما تظهر البيانات حدوث تعطل ملموس في الخدمات الصحية الأساسية للنساء والأطفال، مع فوات الفرصة على عديد من الأطفال للحصول على التطعيمات الحيوية.

ويقدم مؤشر رأس المال البشري 2020 أيضا نظرة لتطور نتائج رأس المال البشري على مدى عقد من الزمن من عام 2010 حتى عام 2020، حيث اتضح تحقيق تحسينات في جميع مناطق العالم، أينما توفرت البيانات، وفي جميع مستويات الدخل. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التحسينات في مستوى الصحة، وهو ما تجسد في تحسّن معدلات بقاء الأطفال والكبار على قيد الحياة وانخفاض التقزم، فضلا عن زيادة الالتحاق بالمدارس. لكن هذا التقدم معرض الآن للخطر بسبب الجائحة العالمية.

ويخلص التحليل إلى أن نتائج رأس المال البشري بالنسبة للفتيات أعلى في المتوسط منها بالنسبة للبنين. غير أن هذا لم يتحول إلى فرص مماثلة لاستغلال رأس المال البشري في سوق العمل: تقل معدلات تشغيل النساء في المتوسط بمقدار 20 نقطة مئوية عن معدلات تشغيل الرجال، مع وجود فجوة أوسع في العديد من البلدان والمناطق. وعلاوة على ذلك، فإن الجائحة تزيد من مخاطر العنف القائم على نوع الجنس، وزواج الأطفال، وحمل المراهقات، وكلها عوامل تزيد من تقليص فرص التعلم والتمكين للنساء والفتيات.

واليوم، تتعرض للخطر مكاسب رأس المال البشري التي تحققت بمشقة في العديد من البلدان. بيد أنه بوسع بلدان العالم أن تفعل ما هو أكثر من مجرد العمل لاستعادة ما خسرته من تقدم. فمن أجل حماية وتوسيع نطاق المكاسب السابقة في رأس المال البشري، تحتاج هذه البلدان إلى التوسع في جودة الخدمات الصحية ونطاق تغطيتها في المجتمعات المهمشة، وتعزيز نواتج التعلم إلى جانب الالتحاق بالمدارس، ودعم الأسر المحرومة من خلال تدابير الحماية الاجتماعية التي تتكيف مع حجم أزمة جائحة كورونا.

وتعمل مجموعة البنك الدولي بشكل وثيق مع الحكومات المعنية لوضع حلول طويلة الأجل لحماية الناس والاستثمار فيهم أثناء انتشار الجائحة وبعدها:

ففي إثيوبيا ومنغوليا وهايتي، يدعم البنك اقتناء معدات طبية حيوية.

وفي بنغلاديش وبوركينا فاصو ونيبال، يدعم البنك الدولي وضع بروتوكولات السلامة والنظافة المدرسية، بينما يتعاون مع فرق مياه الشرب والصرف الصحي والصحة العامة لتوفير اللوازم الأساسية للصحة العامة.

وفي الأردن وتركيا، يقوم البنك الدولي، من خلال عمليات جديدة تمت الموافقة عليها مؤخرا، بدعم وضع المحتوى التلفزيوني والرقمي للتعليم المختلط للعام الدراسي الجديد، فضلا عن تقديم المشورة النفسية الاجتماعية والدورات العلاجية.

وفي منطقة الساحل، يدعم البنك مشروع التمكين الاقتصادي للمرأة والاستفادة من العائد الديموغرافي الذي يهدف إلى تهيئة بيئة مواتية لتمكين النساء والفتيات من خلال برامج لإبقاء الفتيات في المدارس، وتوسيع الفرص الاقتصادية والحصول على خدمات الصحة الإنجابية الجيدة. .

كما يساعد البنك الهند على التوسع فورا في التحويلات النقدية والمزايا الغذائية، باستخدام مجموعة من المنصات والبرامج الوطنية القائمة لتوفير الحماية الاجتماعية للعاملين الأساسيين المشاركين في جهود الإغاثة من جائحة كورونا؛ وتُفيد الفئات الضعيفة، ولا سيما بين المهاجرين والعمال غير النظاميين، الذين يواجهون مخاطر الاقصاء العالية.

إن التدابير الطموحة التي تعتمد على الأدلة في مجال الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية يمكن أن تستعيد المكاسب المفقودة وتمهد الطريق أمام أطفال اليوم للتفوق فيما تحقق من إنجازات في رأس المال البشري وجودة الحياة للأجيال التي سبقتهم. إن تحقيق الإمكانيات الخلاقة المتجسدة في كل طفل لم هو أهم الآن من أي وقت سبق.  

تنفذ مجموعة البنك الدولي، وهي واحدة من أكبر المصادر العالمية للتمويل والمعارف للبلدان النامية، حاليا تدابير سريعة وواسعة النطاق لمساعدة هذه البلدان على تدعيم تصديها لهذه الجائحة. وتدعم مجموعة البنك تدخلات الرعاية الصحية، وتعمل على ضمان تدفق المستلزمات والأجهزة الحيوية، ومساعدة مؤسسات القطاع الخاص على مواصلة عملها والحفاظ على موظفيها. وستتيح ما يصل إلى 160 مليار دولار من الموارد المالية على مدى 15 شهرا  لمساعدة أكثر من 100 بلدٍ على حماية الفئات الفقيرة والمحرومة، ومساندة الشركات، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي. ويشمل ذلك 50 مليار دولار من الموارد الجديدة من المؤسسة الدولية للتنمية في شكل منح أو قروض ميسَّرة للغاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *