الجمعة. أبريل 26th, 2024

قد تبدو مثل فيلم خيالي فكرة العيش في عالم تُباع فيه السيارات والحافلات والشاحنات العاملة بالكهرباء وبأسعار معقولة، وحيث تستخدم سفن الشحن الوقود المستدام فقط، وحيث يمكن للطائرات أن تعمل بالهيدروجين الأخضر.

ولكن هذا الأمر في طريقه إلى أن يتحقق، حيث أعلنت العديد من الحكومات والشركات المشاركة في مؤتمر الأطراف 26 في غلاسكو أنها بدأت بالفعل العمل لجعله حقيقة ملموسة.

لقد كان يوم الأربعاء يوما آخر مليئا بالإعلانات والبيانات الجديدة وبناء التحالفات، وقد ركزت هذه المرة على قطاع النقل، الذي ينتج ما يقرب من ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وفقا لفريق الخبراء الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.

زادت الانبعاثات الناجمة عن قطاع النقل بأكثر من الضعف منذ عام 1970، وتسببت المركبات في نحو 80 في المائة من هذه الزيادة. وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن قطاع النقل في العالم يعتمد بالكامل تقريبا على الوقود الأحفوري.

لكن هذه المعادلة قد تتغير خلال العقود القادمة، حيث وقع أكثر من 100 حكومة ومدينة ودولة وشركات كبرى على إعلان غلاسكو بشأن السيارات والشاحنات الصغيرة عديمة الانبعاثات بهدف وقف بيع محركات الاحتراق الداخلي في الأسواق الرائدة، بحلول عام 2035، وفي كل أنحاء العالم بحلول عام 2040.

كما التزمت 13 دولة على الأقل بإنهاء بيع المركبات الثقيلة التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2040.

الجهود المحلية ماضية أيضا، حيث تهدف مدن أمريكا اللاتينية، بما في ذلك بوغوتا وكوينكا وسلفادور، إلى التحول إلى استخدام أساطيل نقل عام عديمة الانبعاثات بحلول عام 2035.

اتخذت صناعة النقل البحري أيضا خطوات، حيث التزمت 200 شركة من جميع أنحاء سلسلة قيمة الشحن بتوسيع وتسويق سفن الشحن والوقود عديمة الانبعاثات، بحلول عام 2030. ودعوا أيضا الحكومات إلى وضع اللوائح والبنية التحتية المناسبة لتمكين الانتقال العادل بحلول 2050.

وفي الوقت نفسه، وقعت 19 دولة على إعلان كلايدبانك(Clydebank Declaration) لدعم إنشاء طرق شحن خالية من الانبعاثات. وهذا يعني إنشاء ما لا يقل عن ستة ممرات بحرية خالية من الانبعاثات بحلول منتصف هذا العقد، مع التطلع إلى رؤية العديد منها قيد التشغيل بحلول عام 2030.

في حديثها لأخبار الأمم المتحدة، قالت كاثرين بالمر، وهي بطلة أممية رفيعة المستوى معنية بتغير المناخ:

“هناك حوالي 50 ألف سفينة تجارية في العالم، لذا فهي مهمة كبيرة تنتظرنا، وأعتقد أن أجزاء مختلفة من قطاع الشحن ستتحرك بخطوات مختلفة السرعة. لذلك، فإن الالتزام بإعلان كلايدبانك للممرات الخضراء يمكّن الشركات المبادرة من تجربة التكنولوجيا وإثباتها، ثم خفض التكاليف، ووضع السياسات اللازمة، وتمكين النظم البيئية المطلوبة، ومن ثم يمكن للآخرين التعلم من ذلك ثم اتباعهم”.

تعني هذه الممرات الخضراء أن السفن التي تنقل البضائع، في جميع أنحاء العالم، ستسافر دون استخدام الوقود الهيدروكربوني، وبدلا من ذلك ستستخدم الوقود المشتق من الهيدروجين الأخضر – الهيدروجين الناتج عن الطاقة المتجددة – الكهرباء المتجددة وغيرها من الخيارات المستدامة.

ويشمل أيضا التعامل مع منتجي الطاقة حتى يتمكنوا من إنتاج وقود (أخضر) بصورة كافية. وأضافت الخبيرة أن التعاون بين القطاعين العام والخاص مع الحكومات [سيكون ضروريا أيضا] لوضع السياسة اللازمة.

في أخبار سارة أخرى، أعلنت تسع علامات تجارية كبرى بما في ذلك Amazon وIKEA وMichelin و Unilever و Patagonia أنها تخطط، بحلول عام 2040، لتحويل 100 في المائة من بضاعتها المنقولة عن طريق الشحن البحري إلى سفن تعمل بدون كربون.

كما أعلنت شركات صناعة الطيران والعملاء من الشركات الكبرى عن تحديث لتحالف “أجواء نظيفة من أجل المستقبل”، الذي تتمثل مهمته في تسريع نشر وقود الطيران المستدام.

وقد التزمت 80 من الجهات الموقعة حاليا بزيادة الوقود الأخضر إلى 10 في المائة من الطلب العالمي على وقود الطائرات بحلول عام 2030.

يتم إنتاج “الوقود الأخضر” من المواد الأولية المستدامة مثل زيت الطهي، وزيت نفايات من الحيوانات أو النباتات، والنفايات الصلبة من المنازل والشركات، وهي مشابهة جدا في الكيمياء لوقود الطائرات الأحفوري التقليدي.

إذا تم تحقيق ذلك، فسيؤدي إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 60 مليون طن سنويا وتوفير حوالي 300 ألف وظيفة “خضراء”.

لكن ماذا عن الطاقة الشمسية أو الكهربائية؟ وفقا للسيد لورين أوبينك، رئيس قسم الطيران في المنتدى الاقتصادي العالمي، قد تكون مصادر الطاقة هذه ممكنة للاستخدام للرحلات القصيرة في المستقبل.

“سيعتمد جزء صغير من الطلب على الطاقة على التكنولوجيا الجديدة مثل الهيدروجين والبطاريات، لكن المسافات الطويلة قد لا تكون ممكنة. لذا فإن وقود الطائرات المستدام هو الحل الوحيد لدينا لإزالة الكربون والتخلص منه”.

كما أعلن الخبير أن أولى الطائرات التي ستعمل بالكهرباء والهيدروجين من المحتمل أن تبدأ في الانتشار بحلول عام 2030، كما أن انتقال الصناعة يمكن أن يولد آلاف الوظائف الخضراء في البلدان النامية.

كما شملت الأخبار الكبيرة التي خرجت عن مؤتمر الأطراف 26، نشر رئاسة المؤتمر مسودة اتفاق COP26، وهي معاينة للوثيقة الختامية التي ستنشر في ختام المؤتمر الأممي، يوم الجمعة.

تحث الوثيقة البلدان على تعزيز التزاماتها الوطنية وتقديم استراتيجياتها، بحلول عام 2022، بشأن خطط الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر، بهدف الحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد.

ولأول مرة، يتضمن النص النهائي لمؤتمر الأطراف، إشارة إلى “الخسائر والأضرار”، فضلا عن دعوة لإنهاء دعم الوقود الأحفوري.

وقال ألوك شارما، رئيس COP26 للمفاوضين خلال جلسة عامة غير رسمية: “أنظار العالم تتجه إلينا. لذا، سوف أطلب منكم الارتقاء إلى مستوى التحدي. يتعين علينا تسريع الوتيرة، هذا الأسبوع، وما زلت أعتزم إنهاء المؤتمر في نهاية يوم الجمعة”.

و قال السيد شارما للصحفيين إن النص الذي صاغه مكتبه، سيتغير ويتطور مع بدء البلدان في الانخراط في التفاصيل، لكن الالتزام بتسريع العمل في هذا العقد يجب أن يكون “ثابتا”.

“أريد أن أكون واضحا: نحن لا نسعى لإعادة فتح اتفاق باريس الذي يحدد بوضوح هدف درجة الحرارة الذي يقل عن درجتين وتواصل الجهود إلى خفضها إلى 1.5 درجة “، مضيفا أن الرئاسة تهدف إلى رسم مسار عبر الركائز الرئيسية الثلاث لاتفاق باريس: التمويل والتكيف والتخفيف.

وقال إن الوصول إلى المسودة النهائية للنص سيكون مهمة “صعبة” لكنه شدد على أن هناك الكثير من المخاطر إذا لم يتم التوصل إلى نتيجة طموحة.

“الكل يعرف مدى الأهمية التي تحظى بها هذه المفاوضات. ما نتفق عليه في غلاسكو سيحدد المستقبل لأبنائنا وأحفادنا، ونحن نعلم ألا أحد يريد أن يخذلهم”.

واستشهد السيد شارما بكلمات رئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي الأسبوع الماضي: “ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين هو بمثابة عقوبة إعدام لبلدي والعديد من البلدان الأخرى”.

ومضى السيد شارما قائلا:

“نحن نحارب بكل قوتنا من أجل الحصول على نتيجة طموحة، وقد ذكّرت المفاوضين بأن قادة العالم حددوا الطموح الأسبوع الماضي وعلينا أن نحققه. [إذا لم يحدث ذلك] على المفاوضين وزعماء العالم أن يواجهوا الناس في بلدانهم والبلدان الأخرى ويشرحوا لهم سبب فشلنا

وقد رحب أعضاء شبكة العمل المناخي للمنظمات غير الحكومية بأول ذكر على الإطلاق “للخسائر والأضرار” في مسودة المؤتمر، مع الاعتراف بأن المجتمعات التي تتعامل مع تحديات إعادة البناء والتعافي بعد الكوارث المناخية تحتاج إلى دعم العالم للقيام بذلك، لكنهم قالوا إن الكلمات الواردة في النص “لا قيمة لها”.

وقالت تيريزا أندرسون، منسقة سياسة المناخ في منظمة أكشن-أيد إنترناشونال:

“عندما يتعلق الأمر بذلك، لن يحدثوا أي فرق في المجتمعات، أو المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، أو النساء والفتيات في جنوب الكرة الأرضية. لن يقدم هذا النص أي شيء لمن تضرروا بشدة من الفيضانات المميتة، والأعاصير، والجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر”.

وقالت إن النص كان خطابا فارغا، وأن مجرد وصف الوضع بأنه “عاجل” لا يعني شيئا بدون التزام حقيقي بالعمل.

“إذا لم يتطابق مؤتمر الأطراف 26 مع الاعتراف بالإلحاح مع العمل الحقيقي لمعالجته، لتلبية احتياجات الناس في الخطوط الأمامية للأزمة، فسيكون حينها وعاء فارغا”.

وأعلنت السيدة أندرسون أن النص الذي يخلق الوهم بالعمل أسوأ من عدم وجود نص على الإطلاق، مضيفة أن شعوب العالم سئمت وتعبت من “كل هذا التظاهر” و “من تقاعس القادة… في وقت يزحف فيه الدمار نحونا”.

وقالت إن زعماء العالم بحاجة إلى “العودة إلى الوراء وفهم الأمر بشكل صحيح من خلال الإشارة إلى جميع أنواع الوقود الأحفوري – وليس الفحم فقط – ومن خلال الاعتراف بالعدالة، من خلال المطالبة بفعل المزيد من الملوثين الكبار، وربط الدعوة إلى العمل بالتمويل للبلدان النامية”.

وأوضحت أن الوعود بالوصول بالانبعاثات إلى الصفر هي أسطورة يستخدمها المتسببون في التلوث والحكومات لإغراء الناس بإحساس زائف بالأمان مفاده بأن أزمة المناخ تتم معالجتها.

ومع نشر مسودة الوثيقة الختامية، تقول الناشطة إن القادة “ما زالوا يخذلوننا” بكلمات جوفاء لا تركز على الهدف المتمثل في مواجهة حجم “التحدي الهائل الذي يواجه الإنسانية”. واختتمت قائلة:

“أين هو الدعم لمساعدة الناس المتأثرين بشدة من الكوارث المناخية؟ أين العمل لمواجهة كل هذا الإلحاح؟ وأين الالتزامات بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري أو دعم تمويل المناخ؟”

وعبر منصة تويتر، أعلنت الناشطة غريتا ثونبرج، برفقة مجموعة من نشطاء شباب آخرين، أنهم أرسلوا رسالة إلى الأمم المتحدة لتقديم عريضة قانونية إلى الأمين العام للأمم المتحدة يحثونه على إعلان حالة طوارئ مناخية على مستوى المنظومة الأممية، مما سيسمح له بإرسال الموارد والموظفين إلى البلدان الأكثر عرضة لكوارث تغير المناخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *