أسفرت أزمة كوفيد-19 عن اضطراب مسيرة تعلّم الأطفال والشباب والكبار على نحو غير مسبوق النطاق، وفاقمت أوجه عدم المساواة في الانتفاع بفرص بنّاءة لتعلّم القراءة والكتابة، الأمر الذي أثّر على نحو غير متناسب في 773 مليون شخص من الشباب والكبار غير الملمّين بمهارات القراءة والكتابة. وكان محو الأمية للشباب والكبار غائباً عن خطط الاستجابة الوطنية للأزمة التي دفعت العديد من برامج محو الأمية الأخرى إلى تجميد نشاطها المعتاد.
لم تحل الأزمة العالمية دون بذل الجهود الرامية إلى إيجاد سبل بديلة لضمان استمرار التعلّم، على غرار التعلّم عن بعد الذي كان مشفوعاً في بعض الأحيان بالتعلّم الوجاهي. لكن فرص تعلّم القراءة والكتابة لم تكُن موزّعة توزيعاً متساو. وأدى التحول المباغت إلى التعلّم عن بعد إلى إماطة اللثام عن الفجوة الرقمية القائمة على صعيد الاتصال بالإنترنت والبنية الأساسية، فضلاً عن القدرة على استخدام التكنولوجيا. وأبرز هذا التحول أيضاً أشكال التفاوت في الخدمات الأخرى مثل الانتفاع بالكهرباء، الأمر الذي يقوّض فرص التعلّم.
وكانت الجائحة بمثابة تذكير صارخ بالأهمية الحاسمة لمحو الأمية، التي لا تقتصر على كونه لبنة من لبنات الحق في التعليم نظراً إلى دوره في تمكين الأفراد وتحسين ظروف حياتهم من خلال توسيع إمكانياتهم كي يعيشوا الحيـاة الـتي يرون أنّهم جديرون بها. إذ يُعتبر محو الأمية أيضاً بمثابة محرك للتنمية المستدامة، فضلاً عن كونه جزءاً متأصلاً في التعليم وشكلاً من أشكال التعلّم مدى الحياة المبنيّة على أساس الإنسانية كما هو منصوص عليه في الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة. ومن هنا، يضطلع محو الأمية بأهمية مركزية كشكل من أشكال التعافي من أزمة كوفيد19-، ومحوره الإنسان.
سوف يستكشف اليوم الدولي لمحو الأمية لعام 2021 كيف يمكن لمحو الأمية المساهمة في بناء أساس وطيد لتعافٍ محوره الإنسان، وذلك مع التركيز بصفة خاصة على التفاعل بين محو الأمية والمهارات الرقمية التي يحتاجها الشباب والكبار غير الملمّين بمهارات القراءة والكتابة. وسوف يستكشف اليوم الدولي هذا العام أيضاً الأمور التي تكفل إضفاء طابع شموليّ وفعّال على تعلّم مهارات القراءة والكتابة باستخدام التكنولوجيا بغية عدم ترك أي أحد خلف الركب. وبذلك سيكون اليوم الدولي لمحو الأمية لعام 2021 بمثابة فرصة لإعادة تصوّر مستقبل التدريس والتعلّم لأغراض محو الأميّة وذلك في غمرة الجائحة وما بعد اندثارها
يُحتفل باليوم الدولي لمحو الأمية في 8 سبتمبر من كل عام، ويُعد فرصة للحكومات ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة لإبراز التحسينات التي طرأت على معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، وللتفكير في بقية تحديات محو الأمية الماثلة أمام العالم. وقضية محو الأمية هي عنصر جوهري في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وجدول أعمال الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة.
وتعزز أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة — التي اعتمدتها المنظمة في سبتمبر 2015 — هدف الحصول على التعليم الجيد وفرص التعلم في أي المراحل العمرية. كما أن غاية من غايات الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة هي ضمان تعلم الشباب المهارات اللازمة في القراءة والكتابة والحساب، وإتاحة فرصة اكتسابها أمام البالغين ممن يفتقدون إليها.
وكانت يونسكو أعلنت في دورتها الرابعة عشر في أثناء مؤتمرها العام الذي عقد في 26 تشرين اكتوبر 1966 يوم 8 سبتمر من كل عام يوما دوليا لمحو الأمية بغرض تذكير المجتمع الدولي بأهمية القرائية للأفراد والمجتمعات ولتوكيد الحاجة إلى تكثيف الجهود المبذولة نحو الوصول إلى مجتمعات أكثر إلماما بمهارات القراءة والكتابة.
وجاءت فكرة هذه المناسبة الدولية نتاج فعاليات المؤتمر العالمي لوزراء التربية الذي عقد بشأن محو الأمية في العاصمة الإيرانية طهران في يومي 18 و 19 سبتمبر 1965.
وخلُص التقرير الختامي للمؤتمر إلى: ’’ضرورة تغيير السياسات الوطنية التعليمية لتحقيق التنمية في العالم الحديث، واستقلال عدد كبير من البلدان، والحاجة إلى تحرر الشعوب تحررا حقيقا، ولضمان المشاركة الفاعلة والمنتجة في الجوانب السياسية والاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع الإنسان، خصوصا في ظل وجود مئات ملايين البالغين من الأميين في العالم‘‘.
وينبغي أن تُتيح النظم التعليمية التدريب التعليمي لتلبية حاجات الأجيال الشابة التي لم تدخل معترك الحياة بعد، وأجيال البالغين التي لم تستفد من الحد الأدنى الأساسي من التعليم الإبتدائي.
وينبغي أن تشتمل خطط التعليم الوطنية مفاهيم التعليم للأطفال وتدريب محو الأمين للبالغين بوصفهما عنصرين متوازيين.
ومنذ الاحتفاء بأول يوم دولي لمحو الأمية في عام 1967، لم تزل الاحتفالات تقام في كل أرجاء العالم حيث يتاح للبلدان والشركاء الدفع قدما بجدول الأعمال الخاص بمحو الأمية على الصعد الوطنية والإقليمية والوطنية