الجمعة. أبريل 19th, 2024


في 19 ديسمبر 2019، اعتمدت الجمعية العامة قرارها 74/245، الذي عيّن يوم 4 ديسمبر بوصفه اليوم الدولي للمصارف إقرارا بما لدى المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف والمصارف الإنمائية الدولية الأخرى من إمكانيات كبيرة في مجال تمويل التنمية المستدامة وتوفير الدراية الفنية، وإدراكا كذلك أن النظم المصرفية في الدول الأعضاء تؤدي دورا حيويا، على الصعيد الوطني، في المساهمة في تحسين مستوى المعيشة.

وكانت الجمعية العامة اعتمدت في سبتمبر مجموعة من الأهداف والغايات العالمية الشاملة والبعيدة المدى المتعلقة بالتنمية المستدامة، التي تركز على الناس وتفضي إلى التحول، وإذ تؤكد من جديد التزامها بالعمل دون كلل من أجل تنفيذ هذه الخطة بالكامل بحلول عام 2030، وإدراكها أن القضاء على الفقر بجميع صوره وأبعاده، بما في ذلك الفقر المدقع، هو أكبر تحد يواجهه العالم وشرط لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة، والتزامها بتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة – الاقتصادي والاجتماعي والبيئي – على نحو متوازن ومتكامل، وبالاستناد إلى الإنجازات التي تحققت في إطار الأهداف الإنمائية للألفية والسعي إلى استكمال ما لم ينفذ من تلك الأهداف

ويستلزم تحقيق التنمية المستدامة، ولا سيما القضاء على الفقر والحد من عدم المساواة ومكافحة تغير المناخ، اتباع منظور طويل الأجل، تعمل من خلاله الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني معاً لمواجهة التحديات العالمية. ومع ذلك، فإن عالما يتسم بقدر أكبر من عدم التيقن من شأنه أن يولد مزيدا من السلوك القصير الأجل. فالأعمال التجارية الخاصة، التي يواجه العديد منها بالفعل مجموعة من الحوافز القصيرة الأجل، تتردد في تخصيص أموال لمشاريع استثمارية طويلة الأجل. وخلال فترات انعدام الأمان المالي، غالبًا ما تركز الأسر على احتياجاتها الفورية. وكثيرا ما يسترشد صناع السياسات بدورات قصيرة الأجل للسياسات.

وهو ما يستلزم بالتالي إجراءات على جميع المستويات. ويمكن أن يساعد تعزيز العمل الجماعي في الحد من عدم التيقن في العالم، ويمكن للابتكار في المجال المالي أن يحقق تقدمًا كبيرًا في بلوغ أهداف خطة عام 2030 وخطة عمل أديس أبابا..

يواجه الاقتصاد العالمي مخاطر وتقلبات مالية متزايدة، مع بلوغ النمو العالمي ذروته، على النحو المذكور أعلاه، والذي نوقش في الفصل الأول من التقرير. وتنطوي العوامل المتعلقة بالجغرافيا السياسية، وبالمنازعات التجارية، وتقلب الأسواق المالية، والعوامل غير الاقتصادية مثل مخاطر تغير المناخ، على خطر زيادة عرقلة النمو والاستقرار والتنمية، وتفاقم الفقر وعدم المساواة وأوجه الضعف. وأصبح من الملح بشكل متزايد معالجة المخاطر الاقتصادية والمالية والثغرات الهيكلية النظامية التي تهدد تنفيذ خطة عام 2030.

ويمكن أن تشكل مواطن الضعف في النظام المالي العالمي مخاطر عالية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتشمل هذه المخاطر تقلب تدفقات رأس المال الدولية، الناجمة عن الطابع القصير الأجل للعديد من عناصر أسواق رأس المال الدولية؛ واستمرار الاختلالات العالمية؛ والتحديات التي تواجه القدرة على تحمل أعباء الديون في القطاعين العام والخاص (انظر الفصل الثالث – هاء من التقرير)؛ وتزايد قوة الاحتكار ونقص فعالية سياسات المنافسة (انظر الفصل الثالث – باء من التقرير). ويؤدي ارتفاع مستويات الديون في الكيانات العامة والخاصة، بما في ذلك من خلال المشتقات عالية الاستدانة في الأسواق المالية، إلى زيادة الضعف، ويغذي دورات الازدهار والكساد. ويؤدي انضغاط حصة الأجور في الدخول إلى تفاقم عدم المساواة. ويمكن أيضا أن تؤدي سرعة وتيرة التغير التكنولوجي، وإن كانت قد توفر علاجات جديدة، إلى تفاقم المخاطر النظامية العالمية.

وأُشير في خطة عمل أديس أبابا إلى أن وضع استراتيجيات متماسكة للتنمية المستدامة تمسك الدول بزمامها وتكون مدعومة بأطر تمويل وطنية متكاملة أمر يقع في صميم الجهود المبذولة. واستجابة لخطة عام ٢٠٣٠، ضخت العديد من البلدان حياة جديدة في استراتيجياتها للتنمية المستدامة. ومع ذلك، تفتقر معظم الاستراتيجيات إلى خطط تمويل محددة لتمويل تنفيذها. ووفقا لما ورد في خطة عمل أديس أبابا، ينبغي استكمال عملية التفكير هذه بجهود لزيادة التماسك داخل النظام العالمي وتحسين شمولية الحوكمة الاقتصادية العالمية.

وفي الأجلين المتوسط والطويل، يمكن أن تؤدي التحولات في النظام النقدي الدولي، بما في ذلك ما يتصل منها بالتكيف الخارجي والاختلالات العالمية، إلى زيادة التقلبات المالية، لا سيما في فترات عدم التيقن السياسي. وتؤكد تلك الحقيقة أهمية تعزيز التعاون الدولي وضمان الموارد الكافية والتغطية الشاملة في شبكة الأمان المالي العالمية. وفي إطار الهيكل المالي الحالي، فإن مخاطر العملات، المرتبطة بالتمويل الدولي المرحب به، تتحملها جهات فاعلة في البلدان النامية غالبا ما تكون الأقل قدرة على إدارتها. وينبغي للمجتمع الدولي أن يضع آليات أفضل للمساعدة على التصدي لمخاطر العملات في البلدان النامية، بما في ذلك من خلال زيادة اللجوء إلى تنويع مخاطر العملات، على النحو المطلوب في خطة عمل أديس أبابا. وعلى غرار إلى حد كبير بعض آليات التأمين الأخرى، فإن الكيانات الدولية تعتبر في وضع جيد يمكنها من إدارة هذه المخاطر على الصعيد العالمي.

وبالنظر إلى المجموعة المعقدة والطموحة من التحولات اللازمة لتنفيذ خطة عام 2030، فإن الاتساق عبر مجالات السياسات يعد بالغ الأهمية. ويسود فهم متزايد لكيفية تأثير القواعد التنظيمية المالية على حوافز الاستثمار في التنمية المستدامة، بينما يسود فهم أقل لآثار المخاطر الاجتماعية والبيئية على الجودة الائتمانية واستقرار النظام المالي. ويجب أن تعمل السياسات والقواعد التنظيمية معًا من أجل إنشاء نظام مالي مستدام. ويجب أن يتوافق الإطار التنظيمي مع التدابير المستخدمة لتعزيز استدامة النظام المالي الخاص، مثل الإبلاغ عن الاستدامة وقياس الأثر.

ومصارف التنمية الوطنية الجيدة الإدارة يمكن أن تساعد البلدان في وضع خيارات تمويلية للاستثمارات المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة. وينبغي مواءمة هذه البنوك مع الأهداف بطريقة شاملة، وأن ينظر إليها ضمن أُطر تمويل وطنية متكاملة. ويمكن للتعاون بين المصارف الإنمائية الوطنية والمصارف المتعددة الأطراف أن يعزز، عن طريق التمويل المشترك أو ترتيبات الإقراض، التمويل المرتبط بالأهداف من خلال تكامل الموارد الدولية ومعارف السوق المحلية. ويمكن أن تتعاون الدول الأعضاء مع المجتمع الدولي لتعزيز إدارة المخاطر من جانب المصارف الإنمائية الوطنية. وتلزم بحوث لتحسين فهم الكيفية التي يمكن بها تكييف الأطر التنظيمية التي تنطبق على هذه البنوك من أجل حماية استدامتها المالية مع تحفيز فعالية التنمية المستدامة لاستثماراتها.

ونظرا لأن تحقيق خطة عام ٢٠٣٠ يستلزم تعظيم أوجه التآزر والقضاء على الانعزالية، فإن ضمان اتساق النظم المالية والاقتصادية مع التنمية المستدامة أمر بالغ الأهمية. ونلاحظ الدور الذي يمكن لمصارف التنمية الوطنية والإقليمية التي تعمل بشكل جيد أن تضطلع به في تمويل التنمية المستدامة، لا سيما في قطاعات أسواق الائتمان التي لا تنشط فيها المصارف التجارية بشكل مكثف والتي تعاني من فجوات كبيرة في التمويل، وذلك بالاستناد إلى أطر إقراض سليمة ووفقا لضمانات اجتماعية وبيئة مناسبة. ويشمل ذلك في مجالات من قبيل البنى التحتية المستدامة، والطاقة، والزراعة، والتصنيع، والعلوم، والتكنولوجيا، والابتكار، إضافة إلى الإدماج المالي وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر. وهناك إقرار بأن مصارف التنمية الوطنية والإقليمية تؤدي كذلك دورا هاما في مواجهة التقلبات الدورية، لا سيما في خضم الأزمات المالية التي تشهد عزوف مؤسسات القطاع الخاص الشديد عن ركوب المخاطر. وتوجه دعوة إلى مصارف التنمية الوطنية والإقليمية إلى تكثيف مشاركتها في هذه المجالات، كما تُحث الجهات الفاعلة الدولية العامة والخاصة المعنية على إتاحة الدعم لتلك المصارف في البلدان النامية.

مع ذلك، فسياسات التمويل لا تعمل في عزلة. وينبغي ألا تقتصر أطر التمويل المتكاملة على معالجة تحديات التمويل فحسب، بل أيضا حقائق المشهد العالمي المتغير. فعلى سبيل المثال، يتعين من أجل مكافحة عدم المساواة، بما في ذلك عدم المساواة بين الجنسين، أن تتصدى السياسات الوطنية في جملة أمور لانخفاض حصة الأجور، وتزايد أوجه الضعف، والرقمنة، وزيادة تركز القوة السوقية. وينبغي للحكومات إعادة النظر في سياسات سوق العمل، ونظم الحماية الاجتماعية، والسياسات المالية، وسياسات المنافسة، والسياسات التجارية، وأنظمة واستراتيجيات القطاع المالي وذلك لضمان تماشيها مع الحقائق الجديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *