حقوق المرأة هي حقوق الإنسان، غير قابلة للتفاوض. هذا ما شدد عليه مشاركات ومشاركون في اجتماع رفيع المستوى عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمناسبة مرور ربع قرن على عقد المؤتمر الرابع حول المرأة المعروف بمؤتمر بيجين. عدّد المشاركون المكاسب وتطرقوا لأوجه القصور في تحقيق المساواة.
فعندما تأسست الأمم المتحدة عام 1945، لم تكن هناك أي رئيسة دولة أو حكومة، وعام 1995، كانت هناك 12 رئيسة دولة وحكومة، واليوم تمثل 22 سيّدة بلدها وحكومتها في المحافل الدولية.
هي إنجازات تاريخية تحققت منذ إعلان ومنهاج عمل بيجين قبل 25 عاما، بحسب بومزيلي ملامبو-نكوكا، الرئيسة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وفي كلمة مسجلة، قالت السيّدة بومزيلي إن إعلان ومنهاج عمل بيجين شكّل نقطة فارقة في النضال من أجل المساواة بين الجنسين، مشيرة للمكاسب الأخرى التي تحققت: “سُنّ 274 إصلاحا قانونيا في 131 دولة، وثمة مشاركة أوسع للنساء في عمليات السلام، وتم تجريم الجرائم الجنسانية والجنسية أثناء النزاعات بموجب القانون الدولي، والتحاق مزيد من الفتيات بالمدارس، وإحراز تقدم في مجال صحة الأمهات”.
وقد عُقدت الفعالية رفيعة المستوى عبر تقنيات التواصل عن بعد، التزاما بمسؤولية اتباع الإرشادات الطبية المتعلقة بالتباعد البدني للمساهمة في السيطرة على انتشار فيروس كورونا.
بحسب الخبراء، فإن 55% فقط من نساء العالم يستطعن اتخاذ قرارات بأنفسهن بشأن الصحة الإنجابية ومنع الحمل، وواحدة من بين كل ثلاث نساء تتعرض لشكل من أشكال العنف في حياتها، و180 ألف مراهقة العام الماضي أصيبت بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وأكثر من 108 سيّدة تموت يوميا بسبب أمراض يمكن الوقاية منها وبسبب حمل يمكن تجنبه.
وكل عام تتزوج 12 مليون فتاة قبل أن تبلغ سن 18 عاما. وعام 2017، قُتلت 137 امرأة في المتوسط على يد أحد أفراد أسرتها. ولا يزال دور المرأة مهمّشا في مفاوضات السلام ومحادثات المناخ ومواقع صنع القرارات. وعالميا، تحظى المرأة بنسبة 75% فقط من الحقوق القانونية للرجال.
ودعت السيّدة بوزميلي ملامبو-نكوكا إلى اتخاذ خطوات جريئة لتغيير مسار التاريخ في حياة المرأة والفتاة. وقالت: “لنضغط على زر الإسراع للانتقال من المكاسب المتواضعة التي تحققت عام 1995 والتي تتعرض للتهديد الآن”، ودعت لقفزة نوعية تحصل فيها المرأة على 50% من التمثيل في كافة المجالات.
أدّت جائحة كـوفيد-19 إلى “انتكاسة أخرى وتراجع آخر” في حقوق المرأة. ففي كلمتها أمام الجمعية العامة في المقرّ الدائم، أوضحت نتاليا كانم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن العنف القائم على النوع الاجتماعي ارتفع أثناء الجائحة، كما ارتفعت معدلات حمل المراهقات.
وقالت: “نحن بحاجة إلى إجراءات عاجلة ودعم سياسي قوي واستثمارات محددة الهدف، وإلا فالمكاسب التي تحققت بشق الأنفس عبر عقود ستتعرض للخطر”، ودعت لزيادة الاستثمارات وتدعيم الكلمات بالأفعال وبالتمويل للبرامج والخدمات التي تغيّر حياة المرأة والفتاة.
وبحسب المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، دوبرافكا شيمونوفيتش، فإن الجائحة أيضا أضرّت بشدّة بالزيارات الميدانية للاطلاع على أوضاع المرأة.
وقالت: “لكن في الأعوام الخمسة الماضية، أجريتُ 11 زيارة قـُطرية، ووضعت 11 تقريرا، كلها تكشف عن فجوة كبيرة بين الواقع والمعايير.
وفي مواجهة كوفيد-19، في أواخر آذار/مارس، دعت المقررة الخاصة للعنف ضد المرأة الدول للتركيز على العنف الأسري، وحصلت على 274 تقريرا بهذا الخصوص، وأعدّت تقريرها بشأن التداخل بين جائحة كوفيد-19 وما وصفته بجائحة العنف ضد المرأة.
كما لفتت الجائحة الانتباه إلى تحمّل النساء والفتيات العبء الأكبر من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الجسيمة للجائحة، لاسيّما أن النساء العاملات في الاقتصاد غير الرسمي أول من يفقدن وظائفهن.
وقالت السيّدة بومزيلي، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن النساء بين عمر 25 و34 هن أكثر عرضة للعيش في فقر مدقع مقارنة بأقرانهن من الذكور.
من جانبها، أكدت نتاليا كانم أن حقوق المرأة هي حقوق إنسان غير قابلة للتفاوض: “دعونا ندافع عنها ضد أي خطر أو شر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقوق الجنسية والإنجابية والرعاية الصحية التي لا غنى عنها من أجل المساواة والاحترام والتمكين”.
وأشارت نتاليا كانم إلى أن الاستثمار في حقوق المرأة هو قرار ذكي من الناحية الاقتصادية، وفيه منفعة للمجتمع.
ويقدّر البنك الدولي أن الأمر قد يستغرق 150 عاما لتحقيق التكافؤ بين الجنسين في الدخل المكتسب مدى الحياة. وسدّ الفجوة سيوّلد 172 تريليون دولار من ثروة رأس المال البشري.
وهذا العام هو الذكرى 25 لانعقاد مؤتمر بيجين، كما شهد العام الماضي الذكرى 40 لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وقالت السيّدة هيلاري بغيديما، رئيسة سيداو إن هذه فرصة لتجديد الالتزام بالوثيقتين.
وأضافت في كلمتها المسجلة أمام الجمعية العامة: “تترتب على الدول التزامات إزاء اتفاقية سيداو في مجالات الحياة السياسية والصحة والتعليم وتجاه المسنات والمهاجرات والريفيات والمرأة في النزاع والممارسات الضارّة والعنف الجنساني ضد المرأة وحصول النساء على العدالة وما يتعلق بتغيّر المناخ والاتجار بالبشر”.
وأشارت إلى أن محاولات تمييع الاتفاقية والتركيز على “القيم التقليدية” يسعى إلى حصر المرأة في الأسرة وتقويض أجندة حقوقها. ودعت إلى وضع استراتيجيات تحويلية تقوم على مبادئ عدم التمييز والتضامن، لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والفتاة والإقرار بحقوقهن الإنسانية
وفي كلمته التي تلاها أمام الجمعية العامة، قال الأمين العام للأمم المتحدة، السيّد أنطونيو غوتيريش، إن “الرؤية الجريئة والخطة التحويلية لمؤتمر بيجين قد وضحت بأن حقوق المرأة تقع في صلب المساواة والعدالة حول العالم”، لكنها وضحت أيضا بأن هذه الحقوق “تتعرض للإعاقة في كل نواحي العالم”.
وأشار الأمين العام إلى أن الهيكليات من حول العالم والأنظمة التي تقوم على أساس سيطرة الرجل، تعيق تقدم المرأة في كل مكان. وأضاف أن الجائحة أثبتت الحاجة إلى عمل فعلي للوفاء بوعد بيجين.
وقال: “أشجع الدول الأعضاء على اعتماد التزامات طموحة وملموسة لضمان قيادة المرأة ومشاركتها الكاملة”.
وفيما يتعلق بكوفيد-19، قال الأمين العام إن الجائحة شكلت كارثة، لكنها وفرت فرصة أيضا لتحويل تفكيرنا لنضع المرأة في صلب الاستجابة والتعافي، إذ يجب أن تضع صناديق التحفيز الأموال في أيادي النساء مباشرة من خلال التحويلات النقدية والائتمانات.
وقال: “في المستقبل، نحتاج لتغييرات تحويلية بقيادة المرأة لتغيير الأطر التي فضحتها الجائحة، هذا سيسمح لنا بتحقيق أجندة 2030 وضمان الكرامة والفرص للجميع”.
وفي كلمته، حث رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، قادة دول العالم على اتخاذ تدابير للارتقاء بمستوى التحديات في هذا العالم المتغيّر.
ووجه السيّد بوزكير كلمة لجميع سكان العالم، قال فيها: “أحثّكم على قبول هذا الواقع البسيط، المرأة القيادية لا تشكل تهديدا، حان الوقت لنعي أننا نزدهر عندما نتقبل التنوع، وعندما تتم معالجة احتياجات المرأة النازحة بشكل قسري نصبح أكثر أمنا، وعندما نشرك المرأة في عملية السلام يكون السلام أكثر استدامة، وعندما نكسر القوالب النمطية نحقق ما لم يكن في الحسبان”.
وقال للفتيان: “لكم أن تعرفوا أنكم متساوون بكل الأشكال مع شقيقاتكم، لستم أفضل ولا أقل منهنّ، ولكن تقع عليكم مسؤولية الاستماع إليهن والتعلّم منهن”.
ولكل الفتيات حول العالم، قال رئيس الجمعية العامة “ما من شيء لا يمكن للمرأة أن تقوم به، تحلّي أنتِ بالجرأة لتكوني الأولى لتعملي ما لم تعمله المرأة من قبل.
شددت السيّدة بومزيلي ملامبو-نكوكا على الحاجة لتنسيق الجهود لوضع المرأة في قلب العمل ومواجهة التحديات. وقالت: “إننا في مفترق طرق، والمستقبل يحتاج للتواصل بين الأجيال وكل الأعراق والأجناس والقدرات.. لكي تستطيع الفتاة ابنة 10 أعوام في كل أنحاء العالم عام 2020، أن تزدهر وتصبح امرأة ناجحة سعيدة عام 2030”.
وقالت السيّدة نتاليا كانم المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان: “هناك مكاسب تحققت على مدى ربع قرن، ولكن كما نرى من حياة المرأة والفتاة لا يزال الطريق أمامنا طويلا، فالعمل الجماعي لا يمكن أن يكون أكثر إلحاحا من الآن”.
ودعت المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، دوبرافكا شيمونوفيتش، إلى الإسراع في تحقيق الانسجام بين القوانين الوطنية والمعايير الدولية، وطرحت إدخال العنف ضد المرأة كبند دائم في جدول أعمال لجنة وضع المرأة.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة على أن حقوق المرأة وحرياتها الكاملة أساسية للسلام والازدهار على كوكب صحي.
ودعا رئيس الجمعية العامة للعمل الآن من أجل المستقبل. وقال: “متى سنحقق المساواة بين الجنسين كاملة؟ عام 2030؟ في الذكرى الخمسين للمؤتمر الرابع للمرأة؟ في الذكرى المائة لإنشاء الأمم المتحدة؟ لم علينا أن ننتظر؟ فلنعمل اليوم لضمان المساواة غدا، والأمر يقع على عاتقنا جميعا