قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حدث افتراضي رفيع المستوى على هامش المناقشة العامة للدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة إن جائحة كوفيد -19 “كارثة” ولكنها أيضا “فرصة للأجيال لتشكيل مستقبلنا نحو الأفضل”.
وقد جمع هذا الاجتماع الوزاري رفيع المستوى الذي شارك في رئاسته بالإضافة إلى الأمين العام رئيسا وزراء كندا وجامايكا، وانعقد تحت عنوان “تمويل أجندة 2030 في زمن كوفيد-19 وما بعده”، ممثلين عن وكالات أممية ورؤساء دول وحكومات للنظر في قائمة خيارات السياسة التي تم تطويرها خلال الأشهر الأربعة الماضية من أجل دعم الدول الأعضاء في الاستجابة والتعافي من الأزمة العالمية الحالية.
وقدم الاجتماع رفيع المستوى منبرا لقادة العالم للتمعن مليا في العمل المحرز على مدى الأشهر الخمسة الماضية، في أعقاب اجتماع تمويل التنمية الذي عقد في أيار/مايو 2020.
وقد تسببت جائحة كـوفيد-19 وتدابير الطوارئ المتبعة للسيطرة عليها، مثل الإغلاق والقيود المفروضة على السفر، في تعريض أنظمة الصحة العامة للضغط وفقدان مئات ملايين العاملين حول العالم مصادر دخلهم بين عشية وضحاها.
كما شهد العالم عواقب اقتصادية جمّة على الصعيد المالي بسبب ارتفاع النفقات الحكومية وانخفاض قواعد المساهمات الضريبية وانهيار تدفق النقد الأجنبي – والذي يؤثر على البلدان المعتمدة على مدخولات السياحة وتصدير السلع الأساسية. ويهدد هذا الوضع قدرة العديد من البلدان النامية على الالتزام بدفعات مستحقة على ديونها الخارجية، ويثير احتمال حدوث موجة من التخلف عن سداد الديون السيادية. كما أن الوضع يفرض مخاطر كبيرة تتهدد تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
برنامج الأغذية العالمي يسير برامج تغذية وقائية وعلاجية في مستوطنة أوروشينغا للاجئين في أوغندا.
وفي 28 أيار/مايو 2020، كان الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، ورئيس وزراء كندا، السيد جاستن ترودو، ورئيس وزراء جامايكا، السيد أندرو هولنس، قد دعوا قادة العالم والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، إلى تنسيق استجابة شاملة ومتعددة الأطراف لحالة الطوارئ الاقتصادية المتعلقة بكوفيد-19.
وفي افتتاح اجتماع اليوم الذي يأتي في سياق هذه الدعوة، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن الجائحة لم تنفك تتواصل وتثير الاضطرابات في المنظومة الاقتصادية. إذ إن حوالي مليون شخص قد قضوا نحبهم بسبب كوفيد-19. وذكر أن كندا تمرّ الآن في بداية الموجة الثانية من تفشي المرض، داعيا إلى مضاعفة الجهود للتصدي الأزمة.
وقال إن بلاده لا تدخر وسعا من أجل إتاحة كل المعلومات لأبناء شعبها من أجل حماية أنفسهم. والأهم من ذلك، تعمل حكومته على إعادة تنشيط اقتصادها في ظل المحافظة على صحة الكنديين. ولكنه أشار إلى أن الأشهر الستة الماضية كشفت عن فجوات أساسية وعدم مساواة فيما بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد. “وكما هو الحال مع تغير المناخ الذي تسببت به ثلة من البلدان، فإن الجائحة تؤثر أكثر على أولئك الذين يملكون القليل”.
وذكر ترودو أنه حتى الدول النامية التي لم تتأثر بشدة بالفيروس تواجه الآن صعوبات مالية بسبب فقدان عائدات التصدير والسياحة، مشيرا إلى أن العديد من بلدان الكاريبي ليس لديها إمكانية الوصول إلى الموارد المالية اللازمة لمساعدة سكانها.
وقال إن “الوقت قد حان أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ تدابير جريئة. وهذه الأزمة هي فرصة لنا للنظر في جميع الخيارات حتى تلك التي تم وضعها جانبا في الماضي لأنها كانت تعتبر طموحة للغاية.
من جانبه، قال أندرو هولنس، رئيس وزراء جامايكا، إنه يتعين علينا جميعا تقديم المزيد قريبا وبدون تأخير، فجائحة كوفيد-19 كان لها أبلغ الضرر وأبلغ الأثر، إذ حصدت ملايين الأرواح.
وأضاف أنها أزمة متعددة الأبعاد. فهي ليست أزمة صحية فحسب، بل أزمة اقتصادية أيضا.
وعن جزر الكاريبي، التي تعتمد بشدة على الصناعات الخدماتية، ولا سيما السياحة، قال رئيس وزراء جامايكا إنها كانت من بين أكثر الجزر تأثراً. إذ كان الفقراء والضعفاء والنساء الضحايا الأساسيين.
وقال:
“من الواضح أن نطاق هذه الجائحة المتفشية يتطلب إدارة عالمية استثنائية، شاملة ومستدامة لعملية التعافي. يحتاج العالم إلى خطة عالمية مبتكرة وطموحة ومؤثرة مثل خطة مارشال (التي وضعت) لتعافي أوروبا بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية”.
وشدد على أن الاستخدام المتزايد للمنصات الافتراضية كبديل للمشاركة الحية المعتادة في عمليات التنمية البشرية واستمرارية الأعمال، يجعل من الضروري أن تصل جميع البلدان إلى التكنولوجيا الرقمية والاتصالات الفعالة. وقال:
“لذلك، يجب أن يكون هذا أحد مجالات الدعم ذات الأولوية للبلدان النامية.
وفي الاجتماع الوزاري رفيع المستوى، أوضح الأمين العام أنطونيو غوتيريش أن العواقب الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد-19 “سيئة كما كنا نخشاها”، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك الآن إذا كان يريد تجنب الركود العالمي، الذي يمكن أن يمحو عقودا من مكاسب التنمية.
وأوضح الأمين العام أن العالم يعاني أكبر انكماش اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. إذ انخفض الدخل العالمي بأكثر من 10 بالمائة في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، وفقا لمنظمة العمل الدولية. وفي البلدان ذات الدخل المتوسط، يصل الرقم إلى 15 في المئة:
“تتحمل النساء والعاملون في القطاع غير الرسمي أثقل الأعباء. وأزمة الجوع العالمية تنتقل إلى مرحلة جديدة وخطيرة. في العديد من حالات الأزمات الإنسانية، يلوح خطر المجاعة في الأفق”.
وقال غوتيريش أيضا: “إن جائحة كوفيد -19 كارثة. لكنها أيضا فرصة للأجيال لتشكيل مستقبلنا للأفضل”.
وكان الأمين العام قد تحدث عن الحاجة إلى صفقة عالمية جديدة. وقال إن “الهيكل المالي العالمي هو جزء من تلك الصفقة، إلى جانب عولمة عادلة، واحترام حقوق وكرامة الجميع، لكوكبنا والأجيال القادمة”.
ودعا إلى أن يكون اليوم خطوة نحو دمج مبادئ التنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي والاقتصادي في صنع القرار المالي.
وأوضح في ختام كلمته أن جائحة كوفيد-19 أبرزت بالفعل أفكارا جديدة وأظهرت أن العمل الطموح والتغيير التحويلي ممكنان. “إنها تجبرنا على الإجابة على الأسئلة الصعبة ومواجهة الحقائق غير المريحة؛ وتغيير المسار”.
وفي ختام الاجتماع رفيع المستوى، عقد الأمين العام ورئيسا وزراء كندا وجامايكا مؤتمرا صحفيا تحدثوا فيه إلى الصحفيين في المقر الدائم عبر تقنية الفيديو.
وقال الأمين العام، الذي كان موجودا بغرفة المؤتمرات الصحفية بالأمم المتحدة، “يجب أن نوقف الفيروس في مساره، وأن نستجيب له وننعش ونقوي أنظمتنا للمستقبل”.
قال غوتيريش: “إن كوفيد -19 أزمة حادة، لكن المشاكل التي كشفتها الجائحة هي حالات مزمنة موجودة مسبقا. تجاهل هذه العلامات التحذيرية هو فعل ضرر ذاتي كوكبي”.
كما تحدث رئيس وزراء جامايكا أندرو هولنس قائلا: “نحن مقتنعون بأن حجم الأزمة يتطلب جهدا دوليا منسقا واسع النطاق”.
وأضاف أن “الأمم المتحدة هي المنظمة العالمية الأنسب لقيادة هذه المبادرة، بدعم من المؤسسات ذات الآليات القائمة التي يمكن الاستفادة منها بسرعة لتحقيق النتائج التي يحتاجها العالم بشكل عاجل وخاصة العالم النامي”.
ومعلنا عن استثمار بلاده مبلغ 400 مليون دولار أمريكي إضافي في التمويل الإنساني والإنمائي لمكافحة كوفيد-19، قال رئيس وزراء كندا إنه “بدءا من ضمان الوصول العادل للقاحات إلى توفير المزيد من الوقت للبلدان المنكوبة لتسديد مدفوعات الديون الثنائية، بما في ذلك منطقة البحر الكاريبي والدول الجزرية الصغيرة، نحن نعمل على إجراءات ملموسة من شأنها بناء عالم أكثر مرونة على المدى القصير والمتوسط والطويل”.
وأضاف: “يجب على المجتمع العالمي ألا يتخلى عن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة. في الواقع، يجب أن ننتهز هذه الفرصة لفعل المزيد.