” تحسبهم أغنياء من شدة التعفف” .. إمرأة تثبت أن الحياة للرجال
لوهلة وقفت أنظر لها وأنتظر أن تطلب مساعدة لتحمل مقتنياتها وتذهب، ولربما يأتى أحدهم فيحمل معها، ولكنى لم أتخيل أن تظل وسط المياه والوحل تشاهد الجميع يرحل لتضع وجهها بين كفيها وتبكى خوفا ووحدة، تبكى ألا يباع حملها ويضيع اليوم هباء.
عاوزة حاجة يابنتى
اقتربت منها ونظرت بعينيها فابتسمت بفرحة ورضا وسألتنى بصوت أقرب إلى التوسل: عاوزة ايه يابنتى.
ابتسمت وسألتها بحنان وانا اتصنع الشراء: بكام البرتقال يا أمى؟
وكأننى جئت نجدة من السماء: خدى اللى عاوزاه وادفعى اللى معاكى، أى حاجة تدفعيها أنا موافقة عليها.
ابتسمت وقلت لها: ماشي يا أمى والله ماهكسفك، تعالى بس بعيد عن المطر والميا عشان انتى غرقانة اوى والميا والوحل بهدلوكى، لتتفجر دموعها كبركان ظل خامدا لسنوات وثار فجأة.
لعن الله كل أصحاب الشعارات الزائفة
جلست بجوارها على القفص ووضعت يدى على كتفها وأخذتها بحضنى، فتراجعت فى رعب حقيقي:”لا يابنتى العفو، أحسن أوسخلك هدومك”، نظرت لها بابتسامة شفقة حقيقية، ولعنت كل الظروف التى جعلت إمرأة فى سنها تقف فى الشارع، لعنت كل حقوق الإنسان وكل حقوق المرأة، فليسحق الله كل حكومات العالم التى تتكالب على مال زائل ولم يروا تلك المسكينة.
أمسكت بيدها بعد أن هدأت وسألت: مالك، ليه قاعدة كده، وليه بتعيطى.
بدموع مخنوقة: أكل العيش مر، مش أحسن ما اشحت ولا امد ايدى للغرب، أهو ربك ساترنى لحد ماياخد أمانته.
وضعت يدى على كتفها وبهدوء قلت: أنا هشترى منك كل الفاكهة اللى معاكى وبالفلوس اللى هتقولى عليها، بس بشرط هتحكيلى مالك، وكمان يالا بسرعة نلم الحاجة احسن شكلها هتمطر علينا تانى.
تحكى وكأنها لم تتكلم من قبل
لملمنا أشيائنا بسرعة لنهرب من المطر، ودخلنا كافيه لنستتر من المياه والوحل، وعلى استحياء وقفت هى على باب الكافيه، لابتسم وامسك بيدها وأسحبها للداخل بهدوء وأطلب لها شيء دافىء ومن ثم بدأت أنظر لها لتتكلم بنظرات سارحة إلى ماض بعيد.
أنا بنت راجل طيب، ومتجوزة راجل أطيب منه، اتنقلت من بيت أبويا ملكة، أبويا عمره ماخلانى احتاج حاجة، كنت صغيرة وجميلة وشباب البلد بيجروا ورايا، بس ابويا مكنش عاوزنى اتجوز فى البلد عشان محدش يبهدلنى، لحد مانزل جوزى البلد كان راجل ولا كل الرجالة وقريب جارنا جاى يزورهم، بصلي وضحكت حبيته، وعشقنى جه طلبنى من أبويا،وقاله أهد عشانها الجبال، وأبويا شافنى متعلقة بيه وافق، واتخطبنا وعملنا الفرح واتجوزنا وجيت معاه أعيش في مصر.
يارب يرزقك براجل زى جوزى
وبابتسامة خفيفة أكملت يارب يرزقك براجل زيه، حنين وطيب ويشيلك من ع الأرض شيل، أصل جوزى راجل ولا كل الرجالة، ده سيد الرجالة كلهم، كان مكان أبويا، عمره مازعلنى ولا دايئنى، حبيته واتعلقت بيه، عززنى وخلانى ملكة لابشيل ولا احط، وكملت فرحتى لما حملت، حسيت انى كده ملكت الدنيا.
وانكسرت ابتسامتها وتحجرت دموعها وقالت: وجيه معاد ولادتى ونزل الولد معاق، فضلت اقول يارب راضية بس ده طفل ذنبه إيه، أمى قالتلى ساعتها دوستى على ديل قطة يابنتى نحستك، واللى قالى خدتى عين اكمن جوزك مستتك، وتقريبا كان كلامهم صح، شهر والتانى وجوزى عمل حادثة، عجزت رجله ومبقاش يقدر يشتغل، قمت لبست جلابيتى وقلت محدش هيشيل جوزى وابنى غيرى.
ملكة تبحث عن عمل .. إمرأة تثبت أن الحياة للرجال
نظرت لعينى بنظرات ثابتة: نزلت ادور على شغل في كل مكان كنت برجع اخر اليوم ورجلى مورمة وامسح دموعى قبل ما اخش البيت عشان جوزى، بس مكنش بيدارى عليه فبيسكت ويدور وشه وتبان الكسرة فى عنيه، لحد ما مات بعديها بكام شهر وسابلى حتة لحمة منه، بجرى عليه، وعدى الزمن وابنى محتاج رعاية أكتر من الأول، بس ربنا بييسرها، كريم ربنا عمره مافضحنى انا وابنى ولا كشف سترنا على حد، والنهارده لما الدنيا مطرت خوفت اروح لابنى من غير فلوس العلاج والاكل يزيد تعبه.
بكيت كما لم أبكى من قبل، وقبلت رأسها ويديها وهى تجلس على استحياء من فعلتى، مسكت يديها وخرجنا سويا لأوصلها لبيتها.
