على الرغم من الأزمات المتعددة التي مر بها العالم خلال العصر الحديث الا ان الأزمة الحالية لتفشي فيروس كورونا المستجد و المعروف بإسم COVID-19 ستظل ازمة متفردة مقارنة بكافة الأزمات التي اجتاحت العالم سواء كانت اقتصادية او صحية او عسكرية أو غيرها. و تكتسب هذه الأزمة الصحية في الأساس هذا الانفراد نظرا للظروف التي ظهرت في إطارها. فلاشك ان التطور التقني و إستخدامه في كافة مناحي الحياة و الطموح الإنساني المتزايد الذي زادت معه المتطلبات لأشياء كانت تعد حتى الماضي القريب مجرد كماليات و كذلك ظهور أنشطة اقتصادية و اجتماعية متعددة .. كلها مظاهر لم تكن موجودة إبان الأزمات التي مر بها العالم من قبل. كما ان تفردها يعود لحجم الخسائر المتوقعة جرائها و إذا اردنا أن نشبهها بأزمات سابقة فيمكن تشبيهها بآثار أزمتين مختلفتين الأولى هي جائحة الإنفلونزا الأسبانية التي اصابت ربع سكان العالم و مات بسببها ١٧ مليون شخص و استمرت عامين مابين ١٩١٨ و ١٩٢٠ و الثانية هي الانهيار الإقتصادي العالمي الذي بدأ في الولايات المتحدة يوم الثلاثاء ٢٩ اكتوبر ١٩٢٩ (و عرف فيما بعد بالثلاثاء الأسود) و امتد لباقي دول العالم و استمرت آثاره لمدة عشر سنوات … و مع ذلك فإن التقدم العلمي الذي حققه العالم في القرن العشرين و الواحد و العشرين لابد و انه سيساهم في تحجيم الآثار الصحية للكوفيد-١٩ إلا ان الأنشطة الإقتصادية الحديثة و المستجدة مقارنة بتلك التي كان متعارف عليها ابان الأزمة الإقتصادية العالمية سيجعل الآثار الإقتصادية المترتبة على جائحة كوفيد-١٩ اقسى و أصعب. و في ظل الإجراءات الاحترازية و الوقائية الضرورية التي اتخذتها كافة دول العالم في محاولة لمنع انتشار الفيروس اصيبت معظم الأنشطة الإقتصادية بحالة من الشلل شبه التام و هي حالة مستحدثة لم نمر بمثلها في العصر الحديث. و اذا كانت هناك دولا قد استعدت لمثل هذه الازمة إلا ان الأغلبية من دول العالم لم يكن في حسبانها ان تتعرض لخطر بهذا الحجم سواء في سرعة انتشاره او آثاره المحتملة أو المدة المنتظرة قبل القضاء عليه الأمر الذي لايبدو ان هناك تقديرا فعليا له حتى الآن.و على أساس ماسبق ارى ان ادارة مثل هذه الأزمة يعتمد على وضع عدة تصورات للتطور المرحلي المنتظر مع الأخذ في الاعتبار أسوأ الأحوال و أفضلها في كل مرحلة ثم الأهداف المنشودة لكل مرحلة و بناء عليه خطة التحرك هذا مع الأخذ في الاعتبار النظر في الثوابت التالية:
•ايجاد مصادر التمويل خلال الأزمة:و اذا كانت بعض الدول تتجه للاقتراض من المؤسسات الدولية الا إنني أفضل أن تقوم الحكومة بتوفير التمويل اللازم من خلال صناديق الإستثمار أو سندات الخزانة او الاكتتاب العام في بعض المشروعات.• تحديد اولويات التمويل:– لاشك ان الصحة و مراكز البحث الطبية لابد و ان تكون على رأس أولويات الحكومة و ذلك لتوفير الرعاية الطبية اللازمة و مراكز لاستقبال المرضى و شراء الأجهزة و الادوات الطبية اللازمة لاحتواء المصابين و كذا توفير البنية المعلوماتية و الرقمية المطلوبة لسهولة التواصل بين المرضى و الجهات الصحية.- يأتي بعد ذلك التمويل للوازم الأساسية للحياة من خبز (القمح) و مواد غذائية اولية.- تمويل الأشخاص الأكثر احتياجا و تفعيل برامج التكافل الاجتماعي المنظم من خلال الجمعيات الأهلية و المؤسسات و المواطنين القادرين بإشراف الوزارات المعنية. – و يأتي في المرحلة التالية تمويل الأنشطة الاقتصادية القادرة على التعافي السريع حتى تمر من الأزمة دون ان تنهار و من ثم تقود الدولة نحو ازدهار سريع بعد زوال هذه الأزمة. و من أمثلة تلك الأنشطة الإقتصادية صناعة السياحة و السفر التي تعتبر بصفة عاما نموذجا رائعا لظاهرة “الدومينو” الاقتصادية اذا انتعشت انعشت معها أكثر من سبعين قطاع. كذلك فإنه من الطبيعى بعد زوال الجائحة وحالة الحجر الشخصي و الجبري الذي يعيشها الجميع ان ينشد الناس السفر في إجازات للترويح عن أنفسهم و الخروج من عواقب تلك الأزمة. و عندئذ سينظر إلى الدول الأكثر استعدادا لإستقبال السائحين و التي انتهزت فترة الاحتجاب هذه في الإستعداد و عرض مظاهر استعداداتها هذه على السائح المستهدف خلال فترة وجوده في بيته من خلال الإعلام المرئي و المقروء.• المعلومات:ينبغي ان تمنع الدول تداول المعلومات المغلوطة و الغير دقيقة و الشائعات و لاسيما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تزيد من الأزمة حتى و ان ادى ذلك الى حجب هذه المواقع. هذا مع ضرورة توفير المعلومات من خلال الجهات الرسمية و من خلال أشخاص لديهم مصداقية عند الشعب.
• توفير الاطقم الطبية اللازمة:بعد توفير الخدمات الصحية من مراكز متنقلة و غيرها ينبغي الدفع بأعداد من الأطباء و الممرضين الى العمل حتى لو تمت الاستعانة بطلبة كليات الطب و التمريض قبل تخرجهم و بعد خضوعهم لدورات تدريبية سريعة.• اعادة النظر في الكيانات الصغيرة و متناهية الصغر:على كل مستثمر النظر في نشاطه و محاولة الإتجاه للاندماج مع عدد من الكيانات لخلق كيان اكبر يصعب انهياره في الازمات.
هالة الخطيب-مدير الاتحاد المصري للغرف السياحية-عضو مجلس ادارة الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية-نائب رئيس اللجنة القومية لإدارة الازمات (سابقا)-محاضرة في ادارة الأزمات بعدة منظمات دولية-عضو مجلس ادارة مؤسس لمنظمة السياحة بدول البحر المتوسطعضو مجلس ادارة منظمة الفنادق و المطاعم العالمية-حاصلة على عدة دورات تدريبية في ادارة الأزمات – الادارة الامريكية روائية و كاتبه.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتبة و ليس عن رأي أي جهة من الجهات التي تعمل بها .