في الوقت الذي يواجه فيه لبنان واحدة من أسوأ أزماته المالية والاقتصادية في تاريخه الحديث وهو يصارع الانهيار الاقتصادي والمالي، تقدر الأمم المتحدة أنه خلال الأشهر الثمانية المقبلة، هناك حاجة إلى حوالي 300 مليون دولار أمريكي لتغطية الاحتياجات الأساسية لمليون ونصف لبناني، و400 ألف عامل مهاجر متأثرين بالأزمة المستمرة.
وقالت نجاة رشدي، نائبة المنسقة الخاصة والمنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان ، “لقد أدى الانفجار في مرفأ بيروت إلى تسريع الكثير من الأمور، وهذا أمر مؤكد.
لكنها أضافت أن الإصلاحات لم تنفذ في الوقت المحدد. إذ كان يجب أن تبدأ بالفعل في عام 2018 – وإن لم يكن في عام 2018، فكان يجب أن تبدأ في عام 2019 – مشيرة إلى أن الكثير من المحللين توقعوا الأزمة الاقتصادية والمالية بالفعل قبل أن تحدث. “نحن لا نتحدث عن شيء أخذنا على حين غرة اليوم. أعتقد أن الجميع يعرف ذلك.
وقالت نجاة رشدي: “إن أزمة الاقتصاد، وانخفاض قيمة العملة، فضلاً عن فراغ الإدارة، أدت إلى انهيار الخدمات العامة في وقت تشتد الحاجة إليها”. وأضافت أن “الجائحة أدت إلى تفاقم الوضع الذي كان هشا أصلا، والذي وصل في مكان ما، إلى ما نحن عليه اليوم”.
وقالت: “من الواضح أن عدم تشكيل الحكومة كان له تأثير هائل على الثقة في المرتبة الأولى. تعلمون أنه لا يوجد مستثمر واحد سيكون مستعدا للقدوم إلى لبنان، ما لم يكن هناك على الأقل ثقة واضحة جدا في النظام المصرفي، والمؤسسات، وما إلى ذلك… وفوق كل ذلك، فقد عجل ذلك أيضا في إفقار السكان”.
وقد سجل الفقر المدقع زيادة قدرها ثلاثة أضعاف من 2019 إلى 2020. إذ إن المزيد والمزيد من الأسر اللبنانية غير قادرة على تحمل تكاليف الخدمات الأساسية مثل الغذاء والصحة والكهرباء والمياه والإنترنت والتعليم.
وقالت نجاة رشدي: “البلاد في مرحلة تضخم مفرط، مما أدى إلى تآكل قيمة العملة الوطنية، وقوة الأفراد الشرائية، وما تبقى من ثقتهم في قادتهم ومؤسساتهم”.
وأضافت أن “نظام الصحة العامة قد أُجهِد بسبب التأثير المزدوج للأزمة الاقتصادية وتفشي كوفيد-19. وأصبح الناس غير قادرين بشكل متزايد على الحصول على الرعاية الصحية وتكبد تكاليفها وسط النقص المتزايد في الأدوية والإمدادات الطبية المهمة.
وقد أظهرت أحدث دراسة استقصائية للأمم المتحدة مستويات مقلقة من الفقر بين صفوف اللاجئين: 9 من كل 10 لاجئين سوريين يقعون تحت خط الفقر المدقع – زيادة بنسبة 60 في المائة منذ عام 2019.
وتعد حماية اللاجئين قضية متنامية مع تزايد الرحلات البحرية والخطر الكبير المتمثل في عمليات الإعادة القسرية المتتالية.
وتؤثر الأزمة على الجميع في لبنان وليس اللبنانيين فقط، بحسب السيدة رشدي التي لفتت الانتباه إلى أن “لبنان يستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم بالنسبة لعدد سكانه، في ظل وجود أكثر من مليون لاجئ سوري وأكثر من 270 ألف لاجئ فلسطيني”.
الإصلاح، الإنعاش وإعادة الإعمار.
ووفقا لرشدي، فإن “الحلول معروفة، وقائمة الإصلاحات ذات الأولوية موضحة بشكل جلي في ’إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار‘، الذي نوقش في جميع الحالات مع المجتمع المدني، والسلطات المحلية والوطنية، والقطاع الخاص والمجتمع الدولي. لذا فهي حقا “لا تحتاج إلى تفكير”. ومن المعروف، ومن المعروف جيدا ما يجب القيام به”.
وقد حذر المجتمع الدولي من أنه بدون حكومة تنفذ إصلاحات هيكلية ذات مغزى، لن يتم إجراء أي استثمارات بخلاف المساعدات الإنسانية العاجلة والجهود المبذولة للتعافي المبكر.
بالنسبة لرشدي، فمن الواضح أن “تنمية لبنان مسؤولية اللبنانيين. إن تنمية لبنان ليست مسؤولية المجتمع الدولي. نتمنى دائما على الصعيد الداخلي أن يكون اللبنانيون، سواء على مستوى القيادة السياسية أو القيادات الأخرى، أن يكون هناك بالفعل قرار بوضع مصلحة البلد ومصلحة اللبنانيين على رأس الأولويات”.
ولبنان ما زال بدون حكومة. فقد مرت عشرة أشهر على استقالة الحكومة في أعقاب تفجيرات مرفأ بيروت في 4 آب / أغسطس 2020. قبل سبعة أشهر كلف السيد سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة لم تر النور بعد
مع عدم وجود نهاية واضحة تلوح في الأفق للأزمة متعددة الأوجه في لبنان، يشعر اللبنانيون بالهزيمة وعدم اليقين.
وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الطاقة الديناميكية والحماس للتغيير الذي ميز الاحتجاجات الشعبية الجماهيرية في أكتوبر 2019، حيث طالب قطاع عريض من النساء والرجال والشباب اللبنانيين بلبنان أكثر شمولاً وخضوعاً للمساءلة وعادلاً، وفق ما جاء على لسان نجاة رشدي.
وحثت المسؤولة الأممية على الإظهار للمواطنين اللبنانيين ب”أننا نهتم وأننا نقف إلى جانبهم”. فلا أحد يريد أن ينزلق لبنان إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، بحسب رشدي التي أوضحت أن ذلك هو السبب في “أننا نضغط بشدة على القادة لإحداث التغيير وتنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها في أقرب وقت ممكن:
“يلقي الوضع على عاتق قادة لبنان مسؤولية واضحة وعاجلة وأساسية تجاه شعبهم. لكن الناس ينظرون إلينا أيضا للحصول على الدعم.