تتعرَّضُ صحة عشرات الآلاف من الفتيات للخطر في كل يوم، وتُسلَب حقوقهنَّ، ويضيع مستقبلهنَّ. فبعضهنَّ يقع ضحية لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان. وبعضهنَّ يُجبر على “الزواج” وهنَّ في سنّ الطفولة، وتتعرَّض أخريات للإهمال أو الجوع، لمجرد أنهنَّ إناث.
في كثير من الحالات، قد تُرتكَب هذه الأفعَّال بحُسْن نية مِن قِبل الآباء الذين يُخضِعون بناتهم لممارسات ضارَّة. فهم يقبلون ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان بالخطأ ليلقوا القبول من أقرانهم في المجتمعات المحلية التي تنتشر فيها هذه الممارسة على نطاق واسع. ويعتقدون خطأ أنَّ تزويج طفلة صغيرة يضمن مستقبلها. ويجهل البعض منهم المخاطر الصحية البدنية والنفسية المترتبة على هذه الممارسات الضارَّة.
إلا أنَّ النوايا الحسنة لا تعني شيئا بالنسبة للفتاة التي ستضطر إلى التخلَّي عن مدرستها وصديقاتها لكي تتزوج قَسْرا، أو للفتاة التي تواجه مشاكل صحية مدى الحياة بسبب التشويه الذي أصابها جرَّاء الطقوس المؤذية للعبور إلى مرحلة النضج.
في عام 1994، دعت حكومات العالم، في المؤتمر الدولي للسُكَّان والتنمية، إلى توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للجميع وطالبت بحزم بوضع حدّ للممارسات الضارَّة. وبعد مرور عام، في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، أعلنت الحكومات مرَّة أخرى أنَّ الممارسات الضارَّة يجب أن تتوقف.
وقد أُحرِزَ تقدُّم في إبطاء معدل بعض الممارسات السلبية، ولكن بسبب النمو السُكَّاني، فإنَّ عدد الفتيات المُعرَّضات للأذى آخذٌ في الازدياد بالفعل. ومن الواضح أنَّ التعهدات والقرارات لم تكن كافية لإنهاء الممارسات الضارَّة بشكل نهائي. وما نحتاج إليه الآن هو التغيير الحقيقي والنتائج الحقيقية.
في العام الماضي، في مؤتمر قمة نيروبي بشأن المؤتمر الدولي للسُكَّان والتنمية بعد مرور 25 عاما على انعقاده، انتقل ممثلون عن الحكومات والمنظمات الشعبية ووكالات التنمية والقطاع الخاص إلى ما هو أبعد من التعهدات والقرارات والتزموا بإنهاء احتياجات تنظيم الأسرة غير الملباة وإنهاء وفيات الأمهات التي يُمكن الوقاية منها، وإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارَّة.
يبدأ هذا العام “عقدٌ من العمل” من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، بما في ذلك الهدف 5.3 المتعلق بإنهاء الممارسات الضارَّة. ولبلوغ هدفنا، وحماية الملايين من النساء والفتيات اللاتي تتعرَّض سلامتهنَّ البدنية للخطر، حان الوقت الآن للضغط بقوّة أكبر. ويجب أن تكون وتيرة تقدُّمنا أسرع.
ويجب على الحكومات أن تفي بالتزامها بحماية الفتيات والنساء من الأذى. وتُوجِّه معاهدات حقوق الإنسان، مثل اتفاقية حقوق الطفل، الحكومات إلى “اتخاذ جميع التدابير الفعَّالة والمناسبة بهدف إلغاء الممارسات التقليدية التي تضرُّ بصحة الأطفال”.
قد يكون من الصعب الوصول إلى صفر من الممارسات الضارَّة، ولكن ليس لدي شك في إمكانية تحقيق ذلك. ففي نهاية الأمر، رغم استمرار بعض الممارسات الضارَّة على مدى قرون، مع ذلك، فإنَّ التغيير آت – ولا بد أن يأتي. وتتمثَّل الخطوة الأولى في تغيير المواقف والمعايير الاجتماعية في تثقيف الوالدَيْن بشأن عواقب الممارسات الضارَّة على بناتهم وبشأن الفوائد التي تعود على الأُسَر والمجتمعات المحلية عندما تكون الفتيات في صحة جيّدة ويتم تمكينهن وتكون حقوقهنّ محفوظة. نحن نعلم أنَّ الإجراءات التي تتعامل مع النساء والرجال والفتيات والفتيان على قدم المساواة في جميع مجالات الحياة يُمكن أن تساعد على إحداث تحوُّل جذريّ في التقاليد الضارة التي طالت ممارستها. ونُدرك أنَّ تفكيك نظام الملكية والمواريث الذكوري يُمكن أن يساعد أيضا على تفكيك مُؤسَّسة زواج الأطفال. فنحن نعرف جيّدا الإجراءات التي تجدي نفعا.
وأيضا نُدرك الآن التكلفة المتوقع تكبُّدها لإنهاء أكثر الممارسات الضارَّة شيوعا، وهي تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان وزواج الأطفال: يصل المبلغ المُنفق سنويا لإنهاء معاناة ما يقدر بـ 84 مليون فتاة إلى 3.4 مليار دولار سنويا في المتوسط، وذلك خلال الفترة الممتدة من عام 2020 إلى عام 2030.
.إنَّنا نملك القدرةَ على تحدي القوى التي تُساهم في إدامة الضرر وعلى تحقيق عالم تتمتّعُ فيه كل امرأة وفتاة بحرية تخطيط مستقبلها، ونحن متسلحون بالمعرفة، ومدعومون بالاتفاقات الدولية لحقوق الإنسانوالالتزامات الجديدة التي تعهَّدت بها الحكومات والمجتمع المدني