الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

بعد الضربة غير المسبوقة التي أصابت النشاط الاقتصادي في اقتصادات الأسواق الصاعدة من جراء جائحة كوفيد-19، يُتوقع أن ينكمش ناتجها الاقتصادي بنسبة 3,3% في عام 2020. وقد بادرت البنوك المركزية في مختلف الأسواق الصاعدة بتحرك سريع وقوي لمواجهة الأزمة من خلال إجراءات غير مسبوقة. ولتحقيق ذلك، استخدمت مجموعة متنوعة من أدوات السياسة، وتمكنت، إلى حد كبير، من المساعدة على استقرار الأسواق وضمان استمرار عملها.

وقام كل البنوك المركزية تقريبا بتخفيض أسعار الفائدة، ومعظمها لجأ إلى التدخل في أسواق الصرف الأجنبي، وحوالي نصفها خفض متطلبات الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك، مما وفر سيولة للنظام المالي وخفف شدة أوضاع الائتمان. وللمرة الأولى، أطلق حوالي 20 بنكا مركزيا في الأسواق الصاعدة عملية تيسير كمي – وهو ما يعرف رسميا باسم “برامج شراء الأصول” – عن طريق شراء دين الحكومة والقطاع الخاص لتخفيف الضغوط والمساعدة على استمرار عمل الأسواق. ويشير التحليل الذي أجريناه مؤخرا في إطار “تقرير الاستقرار المالي العالمي” إلى أن هذه البرامج قد أثبتت فعاليتها بوجه عام، بما في ذلك عن طريق المساعدة على تحقيق الاستقرار في الأسواق المالية المحلية.

و قد تباينت دوافع التيسير الكمي لدى البنوك المركزية المختلفة في الأسواق الصاعدة. ويمكن إرجاع مشتريات هذه الأصول إلى 3 أهداف أساسية للسياسة النقدية. أولا، بادرت البنوك المركزية التي تتجاوز أسعار فائدتها الأساسية مستوى الصفر باستخدام مشتريات الأصول كأداة لتحسين أداء أسواق السندات (الهند وجنوب إفريقيا والفلبين). ثانيا، كان أحد الأسباب في البنوك المركزية التي تقترب أسعار فائدتها الأساسية من “النطاق الأدنى الصفري” (شيلي وبولندا وهنغاريا) هو اتباع مسار يشبه مسار البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة، حيث استخدمت التيسير الكمي لتخفيف شدة الأوضاع المالية وتقديم دفعة تنشيطية نقدية إضافية، وكذلك لتحقيق أهداف تتعلق بأداء الأسواق والسيولة. وثالثا، أعلنت بعض البنوك المركزية صراحة أن أحد أهدافها هو تحقيق تخفيف مؤقت لضغوط التمويل التي تعاني منها الحكومة في مواجهة الجائحة (غانا وجواتيمالا وإندونيسيا والفلبين


بعد قرابة 6 أشهر من تنفيذ التيسير الكمي، يشير تحليلنا إلى أن هذه المشتريات كان لها أثر إيجابي عموما على الأسواق المالية المحلية. ومن المهم أن هذا الأثر تحقق حتى في ظل تخفيضات أسعار الفائدة الأساسية، ومشتريات الأصول الإضافية واسعة النطاق من جانب الاحتياطي الفيدرالي، والزيادة القوية في الإقبال العالمي على المخاطرة. وعلى وجه التحديد، ساعدت مشتريات الأصول التي أجرتها البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة على تخفيض عائدات السندات الحكومية دون إحداث انخفاضات مصاحبة في قيمة العملات المحلية. وقد ساعدت تدريجيا أيضا على تخفيض الضغط عن الأسواق المحلية.


وفيما بعد الجائحة الحالية، قد تؤدي التجربة الإيجابية لعمليات شراء الأصول إلى تحفيز المزيد من البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة على النظر في السياسة النقدية غير التقليدية باعتبارها جزءا أساسيا من أدوات سياستها، وخاصة إذا كان حيز الحركة المتاح من خلال السياسة التقليدية محدودا. وقد تكون عمليات شراء الأصول ملائمة لبعض البنوك المركزية، تبعا لأوضاع السوق التي تواجهها، وقدرتها على تنفيذها بنجاح.

غير أن صناع السياسات ينبغي أن ينظروا في كل من المزايا والتكاليف الكبيرة المحتملة للتيسير الكمي. فإذا استُخدِمَت عمليات شراء الأصول بانتظام في المستقبل – وخاصة إذا كانت كبيرة ومفتوحة – يمكن أن تنشأ عدة مخاطر: فقد تضعف مصداقية المؤسسات والبنك المركزي؛ وقد تتكثف ضغوط تدفقات رأس المال الخارجة، وخاصة في البلدان ذات الأساسيات الاقتصادية الأضعف؛ وقد تنشأ بواعث قلق بين المستثمرين بشأن هيمنة احتياجات المالية العامة. وينبغي تقييم هذه المخاطر قبل أن تشرع البنوك المركزية في تحويل سياساتها وتنفيذ التوجه الجديد.


وخلاصة القول إن برامج شراء الأصول يمكن أن تساعد الأسواق الصاعدة، لكن الأمر يتطلب إعادة تقييم عندما يتاح المزيد من البيانات عن مدى فعاليتها، وخاصة في حالة استمرار عمليات الشراء.

وهناك بضعة دروس بدأت تظهر بالفعل: فمشتريات الأصول تبدو أكثر فعالية عند استخدامها كجزء من حزمة سياسات اقتصادية كلية أوسع نطاقا. وتعتبر الشفافية والإفصاح الواضح عنصرين أساسيين للحد من المخاطر على مصداقية البنوك المركزية التي تُجري هذه المشتريات – وخاصة في البلدان ذات الأطر المؤسسية الأضعف. وفي معظم الحالات، ينبغي أن تكون برامج شراء الأصول محدودة من حيث المدة والحجم، كما ينبغي ربطها بأهداف واضحة. وأخيرا، يفضَّل أن تتم عمليات الشراء في الأسواق الثانوية، لأن إجراءها في السوق الأولية أو بأسعار سوقية منخفضة يمكن أن يؤثر على عملية تحديد السعر العادل للسندات. ومن الممكن أيضا أن تؤدي عمليات الشراء في السوق الأولية إلى إثارة القلق من احتمال أن تضحي البنوك المركزية بهدف الاستقرار السعري المنوط بها من أجل تمويل احتياجات الحكومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *