أصدرت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان تقريرها الرابع عن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وجاء التقرير الذي يتألف من 174 صفحة، لمتابعة التقدم في تنفيذ 226 من النتائج المستهدفة في المحاور الأربعة للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، من خلال المسارات التنفيذية الثلاثة في وثيقة الإستراتيجية، وهم مسار التطوير التشريعي، والتطوير المؤسسي، ومسار التثقيف وبناء القدرات. كما يٌبين التقرير التحديات التي لا تزال تواجه تنفيذ الإستراتيجية بعد أربعة سنوات من إطلاقها. واعتبرت مؤسسة ماعت إن غاية التقرير هو تقديم تقييم شامل لجهود جميع المؤسسات والوزارات وأصحاب المصلحة المختلفين في تنفيذ الإستراتيجية.
ويُظهر التقرير المُعنون “بعد أربع سنوات ويزيد: تقييم مؤسسة ماعت للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” الذي يُنشر على هامش الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن النتائج المستهدفة في وثيقة الإستراتيجية التي نُفذت بالكامل، بجانب النتائج التي اقتربت من التنفيذ، تمثل 76.1% من إجمالي النتائج المستهدفة في الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. في حين لم يبدأ العمل بعد على 54 نتيجة مستهدفة، وهو ما يمثل 23.9% من إجمالي النتائج المستهدفة في الإستراتيجية.
واعتبر التقرير أن إصدار قانون الإجراءات الجنائية وقانون العمل، بجانب رفع مخصصات الحماية الاجتماعية لمستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى استمرار تحديث المنظومة العقابية، وإحلال السجون القديمة بمراكز الإصلاح والتأهيل، مثلت تطورات إيجابية. وساهمت في زيادة أعداد النتائج المُنفذة ضمن المحاور الأربعة لوثيقة الاستراتيجية. وأشاد التقرير بدور اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في تعزيز المسار التشريعي ومسار التطوير المؤسسي في الإستراتيجية، من خلال الإجراءات والتدابير التي اتخذت خلال السنة الرابعة للإستراتيجية. وطالبت مؤسسة من خلال التقرير بضرورة العمل على انشاء منصات رقمية لنشر الإجراءات المتخذة لتنفيذ المستهدفات الواردة في الإستراتيجية.
في المقابل خلُص التقرير إلى أن التحدي الأساسي بعد أربع سنوات على إطلاق الإستراتيجية هو غياب خطة عمل تنفيذية تتضمن مؤشرات كمية وكيفية، وتحدد بوضوح أدوار الجهات المنوط بها تنفيذ النتائج المستهدفة، والجهات الشريكة في التنفيذ، والفترات الزمنية المحددة لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية، بشكل يتفق مع دليل خطط العمل الوطنية لحقوق الإنسان الصادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان. كما لفت التقرير الانتباه إلى نقص الكوادر الفنية المُدربة للترويج للإستراتيجية الوطنية وهو ما يتطلب زيادة جهود بناء القدرات من خلال تعاون مشترك بين الجهات المنوط بها تنفيذ الإستراتيجية.
واعتبر التقرير إن المجالس القومية المتخصصة وفي مقدمتهم المجلس القومي لحقوق الإنسان مٌطالبين ببناء قدرات وحدات حقوق الإنسان وتحديدًا في المحافظات، خاصة مع الإشكاليات التي تواجه هذه الوحدات بما في ذلك نقص الموارد المالية والبشرية. وطالب التقرير الصادر عن مؤسسة ماعت المجلس القومي لحقوق الإنسان بضرورة تحديث خطته الإستراتيجية 2021–2025 بما يضمن وضع أهداف واضحة تتعلق بمتابعة وتنفيذ وتقييم الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مرحلتها الثانية.
وفي هذا السياق، قال أيمن عقيل الخبير في مجال حقوق الإنسان ورئيس مؤسسة ماعت ونائب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للاتحاد الافريقي إن إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لم يكن مجرد تاريخ عابر في التقويم، ولكنه التاريخ الذي قررت فيه الدولة المصرية تشخيص التحديات التي لديها في مجال الحقوق والحريات العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدقة. وأضاف أن التطورات الإيجابية بعد أربع سنوات من الإستراتيجية تمثل مكاسب لا يمكن غضّ الطرف عنها أو تجاهلها، وعدّد “عقيل” هذه المكاسب، ومن بينها إصدار قانون العمل الذي عزز من حقوق المرأة في العمل من خلال تجريم التحرش في أماكن العمل، والنص على مبدأ المساواة في الأجر للعمل متساوِي القيمة. بجانب اعتراف القانون بالعمالة غير المنتظمة واضفاء صفة رسمية على أوضاعهم وإنشاء صندوق يقوم على رعايتهم. واعتبر “عقيل” أن تطبيق القانون ومتابعة تنفيذه في الممارسة العملية يظل الأهم.
وأشار الخبير الحقوقي أن القرارات الرئاسية الصادرة خلال الفترة التي يغطيها التقرير المتعلقة بوصول المرأة إلى مجلس الدولة تمثل إنهاءً لعقود من التمييز ضد النساء، وأضاف أن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وُجدت لتبقى، وسيمتد أثرها ويدوم لأجيال. وأشار أن توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعداد إستراتيجية جديدة لحقوق الإنسان تغطي الفترة الزمنية 2026 – 2030 بمشاركة المجتمع المدني يؤكد أن حقوق الإنسان أولوية لا يمكن التراجع عنها وأن الدولة عازمة على الاستمرار في تطوير أوضاع حقوق الإنسان. ورأي إن قبول مصر سبع توصيات مخصصة بشكل كامل للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أثناء المراجعة الرابعة لآلية الاستعراض الدوري الشامل دليل على مكانة الإستراتيجية لدى الدولة المصرية، ويشكل توجهًا للتنفيذ دون إبطاء لباقي النتائج المستهدفة التي اقتربت من التنفيذ والتي لم يبدأ العمل عليها بعد. ووصف “عقيل” هذا التوجه بالفرصة الذهبية التي ينبغي ان يتلاقها جميع أصحاب المصلحة من خلال وضع خطط ومشاريع تستهدف تنفيذ الاستراتيجية.
من جانبه قال علي محمد مدير الأبحاث والدراسات في مؤسسة ماعت، إن إصدار قانون الإجراءات الجنائية، الذي سيدخل حيز التنفيذ في أكتوبر 2026، يمثل دفعة نحو تعزيز المستهدفات التشريعية الواردة في الإستراتيجية، واعتبر أن زيادة بدائل الحبس الاحتياطي في القانون، بعد إعادته من قبل رئيس الجمهورية من ثلاثة إلى سبعة بدائل، مثل تطورًا إيجابيًا، وأشار إلى أن هذه البدائل تتفق مع قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير الاحتجازية، التي تُعرف بقواعد طوكيو. وأضاف “محمد” إن تسريع وتيرة اعتماد الخطة الإعلامية لحقوق الإنسان الذي افاد المجلس الأعلى لتنظيم بإعدادها وتضمين اهداف لنشر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ضمن الخطة، سيمنح الإستراتيجية زخمًا أكبر وخاصة في المناطق الحدودية والنائية والريفية.
وشجع التقرير الحكومة المصرية بالتعاون مع أصحاب المصلحة على إعداد برنامج قومي لنشر ثقافة حقوق الإنسان يستند إلى خطة عمل الأمم المتحدة للمرحلة الخامسة من البرنامج العالمي لتعليم حقوق الإنسان، ودراسة إعادة النظر في آلية متابعة الاستراتيجية، والتي تقتصر على التقارير السنوية الصادرة عن اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، كما طالبت مؤسسة ماعت ضرورة توسيع قاعدة المنصات الرقمية التي تروج للإستراتيجية وتوضح التقدم في تنفيذها.
