عاد أحد المعالم البارزة في التاريخ السياسي الأميركي إلى دائرة الضوء مجددًا، مع طرح منزل عائلة كينيدي التاريخي الذي أدار منه الرئيس الراحل جون ف. كينيدي حملته الانتخابية عام 1960 للبيع في العاصمة واشنطن بسعر يبلغ 7.5 مليون دولار، أي أكثر من ضعف قيمته عند آخر بيع له عام 2004.
يُعد المنزل شاهدًا على مرحلة مفصلية في تاريخ الولايات المتحدة، إذ شهد انطلاقة الحملة التي مهدت الطريق لوصول كينيدي إلى البيت الأبيض، ليغدو اليوم رمزًا عقاريًا نابضًا بذاكرة سياسية وإنسانية ما زالت تلهم الأميركيين بعد أكثر من ستة عقود
يقع المنزل الفريد في حي جورجتاون في واشنطن ، وتبلغ مساحته نحو 5,215 قدماً مربعاً. وقد كان المقر العائلي لعائلة كينيدي بين عامي 1957 وحتى حفل تنصيب جون ف. كينيدي رئيساً للولايات المتحدة في يناير 1961، حين غادر المنزل الواقع في شارع “إن ستريت” متوجهاً إلى البيت الأبيض لأداء اليمين الدستورية.
في هذا البيت، وُلد اثنان من أبناء الرئيس الراحل وزوجته جاكلين كينيدي: كارولاين وجون جونيور، ليصبح المكان شاهداً على لحظات عائلية وإنسانية سبقت واحدة من أهم الفترات السياسية في التاريخ الأميركي الحديث.
وعُرفت جاكي كينيدي بذوقها الرفيع وحسّها الجمالي الاستثنائي، إذ أعادت تصميم المنزل أكثر من مرة، وحوّلته إلى فضاءٍ أنيق يجمع بين البساطة والترف.
وكانت تستضيف فيه “حفلات الشاي السياسية” وعدداً من اللقاءات الاجتماعية التي ساعدت على توسيع شبكة علاقات زوجها وتعزيز حضوره السياسي.
المنزل الذي يتولى تسويقه حالياً مايكل رانكن من شركة TTR سوذبيز إنترناشونال ريالتي، كان بمثابة مقر غير رسمي لحملة كينيدي الانتخابية عام 1960، حيث استضاف من أمام مدخله الأمامي مؤتمرات صحفية عدة جمعت الصحفيين المحليين والدوليين في مشهد بات جزءاً من ذاكرة واشنطن السياسية.
وبعد انتقال عائلة كينيدي إلى البيت الابيض ، تم بيع المنزل وانتقل بين عدد من الملاك عبر العقود، لكنه ظل يحتفظ بجاذبيته التاريخية وطابعه الكلاسيكي الراقي.
يضمّ العقار خمس غرف نوم وستة حمامات، إلى جانب مكتبة خاصة، وسطح علوي واسع، ومدخل منفصل للموظفين، وغرف استقبال مزدوجة مصمّمة للضيافة، فضلاً عن حديقة خلفية فسيحة تجمع بين الهدوء والأناقة، لتجعل من هذا المنزل قطعة معمارية نادرة تتجاوز قيمتها حدود المال.
يقف المنزل الكائن في 3307 شارع “إن” شمال غرب واشنطن العاصمة كشاهد حي على أكثر من مئتي عام من التاريخ السياسي والقضائي الأميركي، فهو ليس مجرد منزل فخم في حي جورجتاون المرموق، بل قطعة من الذاكرة الوطنية.
يعود تاريخ بناء هذا العقار العريق إلى عام 1811، حين شُيّد لصالح ويليام ماربري، أحد الشخصيات البارزة في بدايات الجمهورية الأميركية، وواحد من أشدّ أنصار التيار الفيدرالي الذي كان يؤمن بضرورة وجود حكومة مركزية قوية تحفظ توازن الدولة الفتية آنذاك.
برز اسم ماربري في التاريخ الأميركي عندما كان من بين ما عُرفوا لاحقاً باسم “قضاة منتصف الليل”، وهم مجموعة من القضاة الذين سارع الرئيس جون آدامز إلى تعيينهم في الأيام الأخيرة من ولايته عام 1801، في محاولة لتعزيز نفوذ حزبه الفيدرالي قبل انتقال السلطة إلى منافسه توماس جيفرسون.
لكن هذا التعيين لم يكن مجرد خطوة سياسية عابرة؛ فقد أصبح محور نزاع قانوني شهير غيّر مسار القضاء الأميركي إلى الأبد.
ففي عام 1803، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارها التاريخي في قضية Marbury v. Madison، وهي الدعوى التي رفعها ويليام ماربري بعد أن رفض وزير الخارجية آنذاك، جيمس ماديسون، تسليم وثيقة تعيينه القضائي.
وقد انتهت القضية بما يُعدّ أحد أهم الأحكام في تاريخ الولايات المتحدة، إذ أرست المحكمة من خلالها مبدأ “المراجعة القضائية”، الذي يمنح السلطة القضائية صلاحية إبطال أي قانون أو قرار حكومي يتعارض مع الدستور.
هذا المبدأ أصبح منذ ذلك الحين حجر الأساس في النظام الدستوري الأميركي، وضمانة للفصل بين السلطات وحماية الحريات العامة.