شهدت موجات الحر زيادة في شدّتها وتكرارها هذا الصيف، مما دفع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إلى التحذير من أن البشرية باتت أمام واقع مناخي جديد يتطلب التكيّف معه، في ظل تأثيرات متسارعة للتغير المناخي الناتج عن النشاط البشري.
سجّلت درجات الحرارة في غرب أوروبا مستويات مرتفعة تحت تأثير مرتفع جوي قوي يحتجز الهواء الساخن القادم من شمال إفريقيا، فيما وُصفت حالة البحر الأبيض المتوسط بأنها “موجة حرّ بحرية” غير معتادة، ما زاد من حدّة الحرارة في المناطق الساحلية والداخلية على حدّ سواء.
وصرحت المتحدثة باسم المنظمة، كلير نوليس، أن شهر يوليو عادةً ما يكون الأكثر حرارة في نصف الكرة الشمالي. ومع ذلك، شهد هذا العام موجات حر شديدة بدأت في وقت أبكر من المعتاد، مما يثير قلقًا متزايدًا بشأن وتيرة تغير المناخ وتأثيراته.
وأشارت المنظمة إلى أن المدن تتأثر أكثر بسبب ظاهرة “الجزيرة الحرارية”، الناتجة عن قلة المساحات الخضراء وانتشار الأسطح الخرسانية التي تعيد إشعاع الحرارة بدلاً من امتصاصها، ما يفاقم من معاناة السكان
تزامنت تحذيرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مع موجة حرّ تضرب مناطق واسعة من أوروبا وتركيا منذ بداية الأسبوع، تسببت في اندلاع حرائق ضخمة، وإجلاء أكثر من 50 ألف شخص في إزمير التركية وحدها، وسط ارتفاع قياسي في درجات الحرارة تجاوز 43 درجة مئوية في جنوب إسبانيا.
في فرنسا، أعلنت السلطات حالة التأهب القصوى، مع توقعات بوصول درجات الحرارة إلى 41 درجة. ووُضعت 84 مقاطعة من أصل 101 في حالة إنذار برتقالي، و فُرضت إجراءات غير مسبوقة في العاصمة باريس، شملت إغلاق قمة برج إيفل أمام الزوار، حظر حركة المركبات الملوِّثة، وخفض السرعة المسموح بها في بعض المناطق إلى 20 كيلومترًا في الساعة بسبب ارتفاع مستويات الأوزون، بالإضافة إلى إغلاق 1350 مدرسة بشكل جزئي أو كلي..
أما إسبانيا، فتسير نحو تسجيل أشد شهور يونيو حرارة في تاريخها، مع توقعات باستمرار درجات الحرارة بين أواخر الثلاثينات وأواسط الأربعينيات.
وتجاوزت الحرارة في إشبيلية 42 درجة مئوية، بينما سُجلت 46 درجة في الجنوب، كرقم قياسي جديد للشهر. كما شوهدت سحابة لولبية نادرة على الساحل الشمالي، تسببت في رياح عاتية وإرباك بين المصطافين، ووصفت بأنها شبيهة بـ“تسونامي جوي“، ما يعكس تصاعد الظواهر الجوية المتطرفة المرتبطة بالمناخ.
في إيطاليا، تصاعدت التحذيرات الصحية إلى أقصى درجاتها في 18 مدينة كبرى من بينها روما وميلانو وفيرونا وباليرمو، مع خطط لحظر الأعمال الخارجية خلال ساعات الذروة.
وسُجلت فيضانات مفاجئة في منطقة بيدمونت شمال البلاد نتيجة أمطار غزيرة، أدت إلى مقتل رجل يبلغ من العمر 70 عامًا.
في ألمانيا، دعت السلطات السكان إلى تقنين استهلاك المياه بسبب انخفاض منسوب نهر الراين، ما أعاق حركة الشحن ورفع تكاليف النقل. كما سجلت البلاد ارتفاعًا في أسعار الكهرباء بفعل تزايد الطلب على التبريد.
أما البرتغال، فرغم الانخفاض الطفيف في درجة التأهب، إلا أن الحرارة ما تزال مرتفعة، خاصة في مدن كاستل برانكو وباجة وإيفورا، حيث تجاوزت الحرارة 40 درجة مئوية.
وسُجلت ظاهرة جوية نادرة على الشواطئ الشمالية، تمثلت في “سحابة أفقية لولبية” ضخمة اجتاحت الساحل برياح قوية، مثيرةً الذعر بين المصطافين.
وتشير تقديرات شركات تأمين كبرى مثل “سويس ري” إلى أن الحرارة الشديدة قد تتسبب بوفاة ما يصل إلى 480 ألف شخص سنويًا حول العالم، متجاوزة عدد ضحايا الفيضانات والزلازل والأعاصير مجتمعة.