كانت شخصيته شخصية غامضة صعبة الفهم، ولكنني انجذبت إليه لا أعلم لما، هو عميل تردد عليّ كَثِيرًا فأنا أعمل موظفة في شركة تأمين، كان حديثنا في البداية عَادِيًا جِدًا ولكن أشياء كثيرة حول شخصيته كانت غير مفهومة، علامات استفهام ليست لها إجابات، وكنت لا أرى شخصيته الحقيقية بوضوح، لكن مشاعري جعلتني أتغاضى عن تلك الأشياء، وصمت عن الأسئلة لأنه كان يثور عندما أسأله في أي شئ ويتهمني أنني لا أثق فيه، ويتهمني أنني شخصية شكاكة، ويخبرني أن الطبيعي أنه ليس بالضرورة أن يتحدث عن كل شئ، وأن بعض الأشياء تبقى دون توضيح أفضل، بعد فترة وأمام اهتمامه بي قررت أن أوافق على طلبه و تزوجنا، ولا أعلم عنه إلا معلومات عادية يعلمها أي شخص يعرفه، مر عام على زواجنا وكنت أتوق أن أنجب طِفْلًا وكان لدي رغبة شديدة في أن أكون أَمًا، لأنني أصبحت في الثلاثين ومعظم أقاربي الأصغر مني أولادهن في المرحلة الإعدادية، وعندما أخبرته برغبتي صمت و لم يرد، فزادت حيرتي في تلك الشخصية التي أماتتني في صمتي، بعد يومين كررت طلبي فصاح في وجهي بأن صمته يعني الرفض، فخيرته بين وجودي معه أو مغادرتي البيت إذا أستمر في غموضه، وقتها كدت أختنق من مرارة الصبر عليه، فطلبت منه أن أعرف كل شئ عنه وعن عمله لأنني زوجته، فلم يرد وبملامح ثابتة بادر هو بترك البيت، ولم يعد منذ عامين، أن تحركت مشاعرك عليك أن تقيدها ولا تنجرف وراء تيار هدفه أغراقك، لا تتغاضي و تصمت لانجذابك أو حبك لشخص، أَيًا كان صفاته القليلة الواضحة جيدة، بعدها خشيت أن أعود إلي بيت والدي كي لا أقع فريسة لشماتة الشامتين، من بعض الجيران أو بعض الأهل، وصمت وأخبرتهم أنه سافر في فرع شركته في دبي، و رضيت بحياتي هكذا، ومرت شهور و أنا أنتظر عودته، ثم قطعت الإجازة وعدت لعملي، كنت أفكر طوال الوقت لماذا فعل ذلك بي، وعندما ذهبت لمقر شركته لأسأل عنه أخبرني رجل الأمن أنه ترك المقر منذ عامين وأعتقد أنه سافر خارج مصر، وفي ذات يوم كنت مع الزملاء والزميلات في رحلة تابعة للشركة، فرأيته وقد أطلق لحيته و بجواره امرأة وشابين فأدركت أنه كان متزوج، كنت في حالة ذهول وعندما رآني كاد يغشى عليه، بعدها هاتفني أنه سيرسل لي ورقة الطلاق ولا يريد أن يعرفني، وهددني لو حاولت أتتبع خطواته أنه سيمحوني من على وجه الأرض، هذا شخص أخر غير الذي أحببته، لا تتزوجي شَخْصًا غَامِضًا، الوضوح أساس أي علاقة ناجحة، أنني لم أجني من هذه التجربة غير الألم، أصبحت مطلقة ولا ذنب لي في كل ما حدث، غير أنني كان عَلِيّ أن أصمم على معرفة كل شئ أو أتركه يذهب إلي حال سبيله، بعد عَامًا من الطلاق عاد أبن خالتي من السفر، وكانت مشاعره منذ الصغر منجذبة لي، ثم طلبني للزواج و كانت حالتي النفسية سيئة، فوافقت لكي أسافر معه وأبعد عن ذكريات ألمتني كَثِيرًا، وشعرت بفرقًا كَبِيرًا بين الحياة مع إنسان وَاضِحًا وَصَرِيحًا و بَسِيطًا، وإنسان غَامِضًا حوله الكثير من علامات الاستفهام، عشت معه أجمل سنين حياتي، وأنجبت بنت هي في الجامعة الأن، أن الله وهبنا نعمة العقل لنفكر جَيِّدًا قبل الإقدام على أي تصرف، لا تستسلم لمشاعرك واستفتي قلبك، فكثيرا ما نشعر بالخطر قبل حدوثه.
تمت
نجلاء محجوب