منذ أن استولت حركة طالبان على السلطة في أفغانستان الشهر الماضي، قدمت بعض الالتزامات لدعم حقوق الإنسان. غير أن أفعالها اللاحقة “تناقضت للأسف” مع تلك الوعود، بحسب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باتشيليت، في حدث عقد على هامش الجمعية العامة.
وهدف الاجتماع الوزاري، الذي نظمته إيطاليا والعديد من الدول والمنظمات الأخرى، إلى تقييم الوضع على الأرض، فضلاً عن التحديات والمخاطر الرئيسية التي تواجه النساء والفتيات الأفغانيات حاليا، من أجل تحديد كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يلبي احتياجاتهن الفورية ومتوسطة المدى.
كما هدف الاجتماع أيضا إلى حماية الإنجازات التي تحققت في العقدين الماضيين والتي شهدت تضاعف معدل محو الأمية لدى النساء الأفغانيات بثلاث مرات وزيادة متوسط العمر المتوقع لديهن بمقدار 9 سنوات.
وقالت ميشيل باتشيليت في الحدث رفيع المستوى: “استبعدت النساء تدريجياً من المجال العام، ومُنعن من الظهور بدون ولي أمر ذكر، ويواجهن قيودا متزايدة على حقهن في العمل.”
“الوزارة التي كانت تعزز حقوق المرأة ذات يوم تم حلها، واستولت على مقرها وزارة إشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – مكتب من الرجال فقط سيطبق إرشادات بشأن اللباس والسلوك المناسبين” بحسب مفوضة حقوق الإنسان.
علاوة على ذلك، قام ممثلو طالبان بتفكيك العديد من المكاتب الحكومية السابقة لشؤون المرأة، والوصول إلى الملفات الحساسة، وتهديد الموظفين، واتهام مجموعات المجتمع المدني النسائية بنشر أفكار “معادية للإسلام”.
وقالت المفوضة السامية: “هناك خوف حقيقي وملموس بين النساء الأفغانيات من العودة إلى قمع طالبان الوحشي والمنهجي للنساء والفتيات الذي وقع خلال التسعينيات”.
وفي الوقت نفسه، فإن الأزمة الإنسانية المتزايدة في جميع أنحاء البلاد تعرض مليون طفل لخطر الجوع الشديد، وهناك عائلات تعولها نساء – معظمهن لم يعد بإمكانهن العمل – وهن الأكثر عرضة للخطر.
على مدى السنوات العشرين الماضية، عملت النساء الأفغانيات من أجل ضمان قدر أكبر من الاحترام والحماية لحقوقهن في التعليم والعمل والمشاركة السياسية وحرية الحركة والتعبير.
وأكدت السيدة باشيليت أن “هذه الحقوق جزء من تطور المجتمع الأفغاني وهي جزء لا يتجزأ من التنمية والنمو الاقتصادي في أفغانستان”.
بما أن النساء والفتيات يشكلن نصف سكان أفغانستان، فقد ذكّرت بأن البلاد ستستفيد من خلال الاستفادة من مواهبهن وقدراتهن.
وقالت المفوضة السامية إنه “أولاً وقبل كل شيء”، يجب أن تتمتع النساء والفتيات بإمكانية الوصول الكامل والمتساوي إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم؛ وأن يكن قادرات على العمل في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد؛ وأن يتمتعن بحرية الحركة دون قيود؛ وأن يعشن دون خوف من التعرض لكافة أشكال العنف المرتبط بنوع الجنس.
“باختصار، يجب دعم حقوق الإنسان للنساء والفتيات الأفغانيات والدفاع عنها”.
عند التعامل مع طالبان، شددت السيدة باشيليت على أن يلتزم المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها، “بالمناصرة القوية التي تتطلب الامتثال لهذه المتطلبات الأساسية لأي مجتمع منصف وعادل”.
وقالت: “إن احترام حقوق النساء والفتيات في أفغانستان الآن سيكون نذيرا لمستقبل البلاد. إنهن يواجهن تحديات استثنائية – وسنظل إلى جانبهن
وحددت هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، بعض أوجه التقدم في البلاد، من مضاعفة عدد المدارس ثلاث مرات منذ عام 2002 إلى زيادة محو أمية الشباب من 47 إلى 65 في المائة خلال العقد الماضي.
“على مدى السنوات العشرين الماضية، زاد الالتحاق بالمدارس عشرة أضعاف، حيث وصل إلى (التعليم) اليوم ما يقرب من 10 ملايين طفل. أربعة ملايين من هؤلاء الأطفال الفتيات”، كما قالت، واصفة ذلك بـ” التحسينات المهمة”.
ولكن في الآونة الأخيرة، مُنعت الفتيات فوق سن 12 عاما من الالتحاق بالمدارس – حيث تم فصل الجنسين على المستوى الجامعي ومنع الطالبات من التعلم من قبل الأساتذة الذكور الذين يشكلون غالبية المعلمين.
وسط قلقها العميق من أن العديد من الفتيات قد لا يُسمح لهن بالعودة إلى المدرسة، شددت مديرة اليونيسف على أنه من “المهم للغاية” أن يحصل الأطفال الأفغان على “فرصة متساوية لتعلم وتطوير المهارات التي يحتاجون إليها للنمو”.
قالت الناشطة ومغنية الراب الأفغانية سونيتا علي زاده، التي هربت من الزواج القسري وهي في سن السادسة عشرة: “لا تنخدعوا بالأقنعة التي يرتديها الطالبان أمام وسائل الإعلام”.
ووفقا لها، في شهر واحد فقط انتهكت طالبان المواد الثلاثين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “فملأت السجون المفرغة من القتلة والمغتصبين بالمطربين والرسامين والمترجمين والصحفيين والمدرسين”.
ودعت سونيتا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خمسة إجراءات، وهي: عدم الاعتراف بطالبان؛ وضمان حقوق النساء والأطفال؛ وضمان وصول الشعب الأفغاني إلى الإنترنت؛ ودعوة المزيد من الأفغان للجلوس على طاولة صنع القرارات؛ وضمان تعليم الفتيات “وإلا فإن آب/أغسطس 2021 سيكون بداية لجيل جديد من الأمية والفقر”.
وقالت الناشطة الشابة محذرة: “تذكروا بالأمس أن طالبان منعت النساء من العمل إلا في تنظيف حمامات النساء. اليوم منعوا الفتيات من الذهاب إلى المدرسة. وغدا سيحاولون إغلاق الإنترنت حتى لا يتمكن الشعب الأفغاني من الوصول إليه وحتى لا يسمع العالم صرخات الفتيات الصغيرات اللاتي يتعرضن للاختطاف.”
اختتم سونيتا كلمتها بالقول: “يبدو أننا جميعا نعرف ما يجب القيام به. لكن السؤال هو من سيقوم بذلك اليوم.