الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

 شهدت سنة 2020 تفاقمًا مأساويًا في الجوع في العالم على حد قول الأمم المتحدة اليوم – يُعزى في معظمه إلى تداعيات كوفيد-19. وفي حين لم تتكشف بعد مجمل تأثيرات الجائحة[1]، تشير تقديرات تقرير شاركت في إعداده عدة وكالات إلى أنّ عُشر سكان العالم تقريبًا – أي ما يصل إلى 811 مليون شخص – عانوا من نقص التغذية العام الفائت. ويشير هذا العدد إلى أنّ وفاء العالم بالوعد الذي قطعه بوضع حد للجوع بحلول سنة 2030 سوف يتطلّب بذل جهود هائلة.

يعدّ إصدار هذا العام من تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم أول تقييم عالمي من نوعه في حقبة الجائحة.  ويشارك في إعداد هذا التقرير كلّ من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (الإيفاد) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية.

وكانت الإصدارات السابقة من التقرير قد دقّت ناقوس الخطر في العالم لكون الأمن الغذائي للملايين – والكثيرون منهم من الأطفال – على المحكّ. وكتب رؤساء الوكالات الخمسة[2] في تمهيد تقرير هذا العام “لسوء الحظ، لا تزال الجائحة تكشف النقاب عن أوجه الضعف في نظمنا الغذائية، ما يهدد حياة الأشخاص في مختلف أنحاء العالم وسبل عيشهم”.

وهم يحذرون كذلك من “مرحلة حرجة” رغم تعبيرهم عن آمال جديدة إزاء الزخم الدبلوماسي المتجدد. “يتيح لنا هذا العام فرصة فريدة لتعزيز الأمن الغذائي والتغذية من خلال تحويل النظم الغذائية بفضل قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية المقبلة وقمة النمو من أجل التغذية والمؤتمر السادس والعشرين للأطراف بشأن تغير المناخ.” ويضيف الرؤساء الخمسة “إنّ نتائج هذه الأحداث سوف تحدد […] معالم النصف الثاني من عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية” – وهو التزام سياسي لم يبلغ أوجَه بعد.

الأرقام بالتفصيل

منذ منتصف سنة 2010، كان الجوع قد بدأ بالارتفاع مطيحًا بالآمال بشأن تراجعه إلى غير رجعة. ولعلّ أكثر ما يبعث على القلق هو الارتفاع الحاد في عام 2020 في معدلات الجوع المطلقة والنسبية بحيث تخطى معدل النمو السكاني: تشير التقديرات إلى أنّ 9.9 في المائة من مجمل السكان تقريبًا كانوا يعانون نقص التغذية خلال العام الماضي، أي بارتفاع من 8.4 في المائة في عام 2019.

وإنّ أكثر من نصف جميع ناقصي التغذية (418 مليون شخص) يعيشون في آسيا؛ وأكثر من الثلث (282 مليون شخص) يعيشون في أفريقيا؛ فيما تعيش نسبة أصغر (60 مليون شخص) في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي. غير أنّ الزيادة الأكبر في الجوع قد سجّلت في أفريقيا حيث أنّ معدل انتشار النقص التغذوي المقدّر – البالغ 21 في المائة من السكان – قد فاق ضعف ما هو عليه في أقاليم أخرى.

وكانت سنة 2020 سنة قاتمة أيضًا بالنسبة إلى مقاييس أخرى. وبالإجمال، كان أكثر من 2.3 مليارات شخص
(أو 30 في المائة من العدد الإجمالي للسكان) يفتقرون على مدار السنة إلى الغذاء الكافي: وهذا المؤشر – الذي يعرف بمعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد – قد ارتفع في غضون سنة واحدة بقدر ما ارتفع خلال السنوات الخمس الماضية مجتمعة. وتفاقم عدم المساواة بين الجنسين: إذ في مقابل كل 10 رجال يعانون من انعدام الأمن الغذائي كانت هناك 11 امرأة تعاني من انعدام الأمن الغذائي في سنة 2020 (أي بارتفاع من 10.6 في المائة في سنة 2019).

واستمر سوء التغذية بجميع أشكاله حيث دفع الأطفال الثمن الأعلى: ففي عام 2020، تشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 149 مليون طفل دون الخامسة من العمر كانوا يعانون من التقزّم أو أنّ قامتهم كانت قصيرة للغاية مقارنة بعمرهم؛ وأكثر من 45 مليون طفل من الهزال، أو أنهم كانوا نحيفين جدًا قياسًا بقامتهم؛ ونحو 39 مليون طفل من الوزن الزائد.[3] وبقى ثلاثة (3) مليارات شخص من البالغين والأطفال خارج الأنماط الغذائية الصحية بشكل أساسي بسبب تكاليفها الباهظة. ويعاني نحو ثلث النساء في سنّ الإنجاب من فقر الدم. وعلى المستوى العالمي، رغم التقدم المحرز في بعض المجالات – حيث يجري إطعام عدد أكبر من الرضعّ مثلاً من خلال الرضاعة الطبيعية الخالصة – فإنّ العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق المقاصد الخاصة بأي من مؤشرات التغذية بحلول سنة 2030.

الدوافع الأخرى الكامنة وراء الجوع وسوء التغذية

تسببت الجائحة في مناطق عديدة من العالم بحالات انكماش قاسية وقوّضت الحصول على الغذاء. لكن حتى قبل تفشي الجائحة، كان الجوع منتشرًا والتقدم على صعيد سوء التغذية بطيئًا. ويصح هذا بشكل خاص في البلدان التي تشهد نزاعات وظروفًا مناخية قصوى أو سواها من حالات التباطؤ الاقتصادي أو التي كانت تكافح معدلات عدم المساواة المرتفعة – وهو ما يشير إليه التقرير على أنها تعتبر جميعًا دوافع رئيسية كامنة وراء انعدام الأمن الغذائي، مع ما لذلك من مفاعيل.[4]

وفي ظلّ الاتجاهات السائدة حاليًا، يشير تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم: إلى أنّه سيجري تفويت الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع بحلول عام 2030) بهامش 660 مليون شخص تقريبًا. ومن بين هؤلاء الأشخاص، قد يكون 30 مليونًا منهم نتيجة مباشرة لاستمرار تأثيرات الجائحة.

ما الذي (لا يزال) بالإمكان فعله؟

كما جاء في تقرير العام الماضي، إنّ تحويل النظم الغذائية ضروري لتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وجعل الأنماط الغذائية الصحية في متناول الجميع. ويذهب إصدار هذا العام إلى أبعد من ذلك حيث يستعرض “مسارات تحويل” ستةّ. وتعتمد هذه المسارات، على حد قول المؤلفين، على “مجموعة متسقة من حافظات السياسات والاستثمارات” لدرء الدوافع الكامنة وراء الجوع وسوء التغذية.

وبحسب الدافع المعيّن (أو مجموعة الدوافع) في كل من البلدان، يحثّ التقرير صانعي السياسات على ما يلي:

  • إدماج سياسات العمل الإنساني والإنمائي وبناء السلام في المناطق التي تشهد نزاعات – مثلاً من خلال تدابير الحماية الاجتماعية لتجنّب قيام الأسر ببيع أصولها القليلة مقابل الغذاء؛
  • وتعزيز القدرة على الصمود في وجه المناخ عبر النظم الغذائية – مثلاً من خلال تمكين صغار المزارعين من النفاذ إلى التأمين ضد المخاطر والتمويل المستند إلى التوقعات؛
  • وتعزيز قدرة الفئات الأضعف على الصمود في وجه المصاعب الاقتصادية – مثلاً من خلال برامج الدعم العيني أو النقدي للتخفيف من أثر الصدمات الشبيهة بالجائحة أو تقلب أسعار الأغذية؛
  • والتدخل على طول سلاسل الإمداد لخفض كلفة الأغذية المغذية – مثلاً من خلال تشجيع زراعة المحاصيل المدعّمة بالمواد البيولوجية أو تيسير نفاذ مزارعي الفواكه والخضروات إلى الأسواق؛
  • ومعالجة مسألة الفقر وأوجه عدم المساواة الهيكلية – مثلاً من خلال إعطاء دفع لسلاسل القيمة الغذائية في المجتمعات الفقيرة من خلال نقل التكنولوجيا وبرامج منح الشهادات؛
  • وتعزيز بيانات الأغذية وتغيير سلوك المستهلك – مثلاً من خلال إزالة الدهون المتقابلة الصناعية والحد من نسبة الملح والسكر في الإمدادات الغذائية أو حماية الأطفال من الأثر السلبي لتسويق الأغذية.

ويدعو التقرير أيضًا إلى “إنشاء بيئة مشجّعة لآليات ومؤسسات الحوكمة” لجعل عملية التحوّل ممكنة. وهو يحثّ صانعي السياسات على التشاور على نطاق واسع وعلى تمكين النساء والشباب وعلى توسيع إتاحة البيانات والتكنولوجيات الجديدة. ولعلّ الأهمّ هو حثّ المؤلفين العالم على ضرورة العمل الآن – أو مشاهدة الدوافع الكامنة وراء الجوع وسوء التغذية تزداد حدّة خلال السنوات المقبلة، بعد وقت طويل على انقضاء مفاعيل الصدمة التي خلّفتها الجائحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *