الخميس. نوفمبر 21st, 2024

في تقرير جديد لليونسكو قالت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، انه لا يخفى على أيّ أحدٍ منّا أنّ التعليم هو ركنٌ أساسيّ من أركان المساواة، وأنّ المسيرة نحو عالمٍ ينعم بمساواة أكبر بين الجنسين تبدأُ بتعليمِ الفتيات والنساء. وبصرف النظر عن سعادتنا بزف خبر التقدّم المحرز في مجال تعليم الفتيات والنساء بفضل الجهود الدؤوبة التي يضطلع بها المجتمع الدوليّ، يُظهر التقرير أنّنا لم نتمكّن من إلحاق أشدّ الفئات حرماناً بالركب. فإنّ الفتيات يمثّلن ثلاثة أرباع العدد الإجمالي للأطفال الذين قد لا تطأ أقدامهم المدرسة بعد اليوم وهُم في سن الالتحاق بالمدارس الابتدائية”. وأضافت قائلة: “في هذه اللحظة الحرجة، وفي ظلّ تفاقم أوجه عدم المساواة بين الجنسين بسبب كوفيد-19، يجب علينا أن نجدّد التزامنا بتعليم الفتيات والنساء. فإنّ التقدم المحرز في هذا المجال سيتجلّى عبر الأجيال – وكذلك هو الحال إذا فشلنا في ذلك

و يدعو التقرير إلى اتخاذ إجراءات ملموسة في المجالات التالية:

  1. القضاء على التفاوت بين الجنسين فيما يتعلق بالانتفاع بالتعليم والانخراط فيه وإكماله. فإنّه مقابل كل 10  ذكور ملتحقين بالتعليم، هناك أقل من 9 إناث ملتحقات بالتعليم الابتدائي في 4٪ من البلدان، وبالتعليم الإعدادي في 9٪ منها، وبالتعليم الثانوي في 15٪ منها، وبالتعليم العالي في 21٪ منها.
  2. مؤازرة جميع الفتيات الحوامل والآباء الصغار بالسن للالتحاق بالمدرسة. فعلى الرغم من الانخفاض العالمي في معدلات الحمل المبكّر، لا تزال هذه المعدلات مرتفعة في أفريقيا جنوب الصحراء. وتشهد تشاد ومالي والنيجر معدّلات أعلى من تلك المرصودة في عام 1995. ولا تزال أشكال الحظر السارية تحول دون ذهاب الفتيات الحوامل إلى المدرسة في غينيا الاستوائية وجمهورية تنزانيا المتحدة.
  3. تزويد كافة المعلّمين ومقدّمي المشورة فيما يتعلق بالمدارس والمستقبل الوظيفي بالتدريب اللازم لدرء انتشار القوالب النمطية السلبية في التدريس ومجالات دراسة الطلاب. فعلى سبيل المثال، لا تتجاوز نسبة الفتيات اللواتي يدرسن الهندسة أو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، على الصعيد العالمي، نسبة 25٪ في أكثر من ثلثي البلدان. هذا وقد انخفضت نسبة النساء في قطاع التعليم والتدريب في المجال التقني والمهني من 45٪ في عام 1995 إلى 42٪ في عام 2018. ويسعى عددٌ قليلٌ من النساء للحصول على وظائف في مضمار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
  4. منحُ الفتيات في جميع المناهج والكتب المدرسية صورةً من شأنها كبحُ القوالب النمطية الجنسانية. فقد أظهرت عمليات الاستعراض التي خضعت لها الكتب المدرسية في العديد من البلدان أن النصوص والصور المعتمدة فيها لا تصوّر النساء في مناصب اجتماعية واقتصادية نشطة، بل في أدوارٍ منزلية تقليدية.
  5. حصول كافة الطلاب على تثقيف جنساني شامل، إذ ثبت أنه من شأن التربية الجنسانية درء العنف القائم على النوع الاجتماعي في البيئة المدرسية من خلال تعزيز فهم واحترام الهويات الجنسانية للطلاب، وذلك فضلاً عن دورها في الحدّ من انتشار ظاهرة الحمل المبكر.
  6. تشجيع عدد أكبر من النساء على تبوء مناصب قيادية للمساعدة في تغيير الأعراف الاجتماعية والجنسانية، ليصبحن نماذج يُحتذى بها بأَعيُن الطالبات. ويبيّن التقرير أن نقص عدد المعلّمات في مرحلة التعليم العالي يُفاقم القوالب النمطية السلبية المتعلقة بعدم ملاءمة المناصب القيادية للمرأة. وعلى الصعيد العالمي، تمثل النساء 94٪ من عدد المعلّمين في مرحلة التعليم ما قبل الابتدائي في حين لا تتجاوز نسبتهنّ 43٪ في مرحلة التعليم العالي، وإنّ أعداداً أقل من النساء تشغل مناصبَ قياديّة جامعيّة أو إدارية.

يستعرض التقرير العالمي لرصد التعليم في إصداره الجديد التقدّم الذي أُحرز على مدى العقدين ونصف العقد الماضيين فيما يتعلق بتعليم الفتيات، أي منذ اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين الذي يجسّد التزاماً تاريخياً قطعته 189 دولة على نفسها للارتقاء بحقوق الفتيات والنساء. وبالفعل، ارتفع معدل التحاق الفتيات بالتعليم على مستوى العالم من 73٪ إلى 89٪ منذ عام 1995، مع العلم أنّ أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا سجلتا أفضل النسب في هذا السياق، ولا سيما في الهند. وقد أحرزت 23 دولة تقدماً كبيراً على صعيد التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي، ومن بينها بوتان وجيبوتي ونيبال، إذ حقّقت هذه الدول التكافؤ بين الجنسين مقارنة بعام 1995 عندما كان عدد الفتيات الملتحقات بالمدرسة لا يتجاوز 80 فتاة مقابل كل 100 فتى.
ويمكن لمن يتمعّن في عدد النساء الملتحقات بالجامعات اليوم مقارنة بعددهن قبل عقدين، أن يلاحظ ارتفاعاً في هذا العدد بمقدار ثلاثة أضعاف. ونلمس في هذا الصدد تقدماً خاصاً في شمال أفريقيا وغرب آسيا. وحقّق المغرب التكافؤ بين الجنسين في عام 2018، بعد أن كان معدل النساء الملتحقات بالتعليم في أوائل التسعينيات لا يتجاوز 3 نساء فقط مقابل كل 10 رجال.
ولا شكّ في أنّ التقدم المحرز في هذا المجال يبعث على التفاؤل، إلا أنّ النوع الاجتماعي لا يزال يضطلع بدورٍ هام في فرص الالتحاق بالتعليم في العديد من البلدان. ففي تشاد وغينيا بيساو واليمن، لم يتجاوز عدد الفتيات اللواتي تمكنّ من إتمام تعليمهنّ الابتدائي 80 فتاة مقارنة بـ 100 فتى، ويزيد احتمال إتمام الفتيان للمرحلة الثانوية بمقدار الضعف مقارنةً بالفتيات. ولا تزال هناك فوارق كبيرة بين الجنسين خاصة بالنسبة للمتعلمين الضعفاء الذين يواجهون صعوبات. وتكاد 20 دولة على الأقل، معظمها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي بليز وهايتي وباكستان وبابوا غينيا الجديدة، تخلو من أي فتاة أكملت تعليمها الثانوي العالي في المناطق الريفية الفقيرة.

ويتجلّى التمييز الذي كان سائداً في الماضي في حقيقة أنّ النساء لا يزلن يمثلن قرابة ثلثي عدد الأميين من البالغين. ويواجه العديد منهنّ أيضاً عقبات إضافية على غرار الفقر أو امتلاك شكل من أشكال الإعاقة. وفي 59 دولة، من المرجّح أن تكون النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً والمنحدرات من أشد الأسر فقراً أكثر عرضة بأربعة أضعاف للافتقار لمهارات القراءة والكتابة، مقارنةً بالنساء المنحدرات من أشد الأسر ثراءً.

وفي تعقيبٍ له في هذه المناسبة، قال مدير الفريق المعني بالتقرير العالمي لرصد التعليم، مانوس أنتونينيس: “بعد مضي خمسة وعشرين عاماً على اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين التاريخي، لا تزال هناك عقبات تحول دون التحاق الفتيات بالمدارس وتحقيق إمكانياتهن. والتعليم هو نقطة الانطلاق لتحقيق ائتلافات العمل الستة في منتدى جيل المساواة المزمع عقده في عام 2021، والذي سيشهد تدشين المرحلة المقبلة من إعلان بيجين، الأمر الذي يُضفي أهمية خاصة على توقيت إصدار هذا التقرير”.

وبدوره، أضاف معالي وزير التعليم الأساسي والثانوي في سيراليون والرئيس الجديد للمجلس الاستشاري للتقرير العالمي لرصد التعليم، الدكتور ديفيد موينينا سينغيه: “حققنا، منذ إعلان بيجين في عام 1995، تقدماً ملحوظاً نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم إلا أنّ هذا التقدّم لم يكن منتظماً. ويتعين على الحكومات أن تلتزم التزاماً كاملاً، ويتعين على المجتمعات أن تصب جلّ اهتمامها كي لا يثبط الإقصاء من التعليم عزيمةَ الفتيات والنساء. ويوضّح التقرير العالمي لرصد التعليم في نسخته لعام 2020 المعنية بالفجوة القائمة بين الجنسين أنّ إعمالَ حقوق المرأة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفرص حصولها على التعليم. ومن هنا، يتعيّن على كافة الأطراف المعنيّة الأخذ بالتوصيات التي يقدمها التقرير كي ينعم الجيل القادم بمساواة كاملة”.

واستهل فريق التقرير العالمي لرصد التعليم حملة بعنوان “أنا الفتاة الأولى” كي يلمس العالم نتيجة استثمار الحكومات في تعليم الفتيات. ويتمثل الهدف من هذه الحملة أيضاً في تعميم البصمة الإيجابية التي تركتها ملايين النساء في المجتمع بعدما أصبحن أول من أنهى دراستهن الثانوية والجامعية في أسرهنّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *